العمر في “علبة” / احمد حسن الزعبي

العمر في “علبة”

احمد حسن الزعبي

الصديق والزميل العزيز ناصر شديد كان قد أهداني علبة “مَنّ وسلوى” جاء بها من إحدى سفراته إلى أربيل أثناء تغطياته المستمرة لقناة الجزيرة هناك..مكتوب على العلبة بخط كوفي رائع “مَنّ السما”..هذه “العبوة” أسميتها “عبوة الأربعين”..بعد أن فرغ منها “منّ وسلوى وحلوى الحياة في الثلاثينات” ملأتها بأدوية الأربعينات..أفتحها في اليوم ثلاث مرات لأتناول أكثر من 14 حبة دواء…فأي منٍّ وأي سلوى وأنا أعالج إحباط “السنّ” بمضاد البلوى؟.
اليوم ينتصف العقد الرابع من عمري تماماً ، اليوم أقف على حافة العام الخامس والأربعين من عمري، صحيح أن الأعمار بيد الله، لكن حسب متوسط أعمار الآباء والأجداد بقي لي 15 عاماً من هذه الحياة، فبطارية العيش في ثلثها الأخير ولا شاحن يسعفها ، هذا ما لم تباغتني رصاصة او جلطة او حبل مشنقة أو حادث عابر..وبناء على القراءة المتأنية لما تبقى – والأعمار بيد الله- السنوات ال15 القادمة سأنذر منها 10 أخريات للنضال في سبيل وطن أفضل وأجمل وأكمل،و مباطحة الفساد والفاسدين والتنغيص عليهم وكشف سوءاتهم ، وسأترك الخمس المتبقيات للمسامحة وللعيش بسلام و”حاس حالي مش العادة “..و “سكر الباب يا يابا “وافرشي لي يا مرة”..”وخذوني ع الطوارىء” يا اولاد..
اليوم يقف عقرب العمر في منتصف الدورة الرابعة ، ليس لدي طموح كبير ، كما أنني لا أتراجع بسرعة ، ما زلت أحب الحياة ، أكتب وأسمع موسيقى وأرتدي ما أشتهي ،و”أطعّم” كل من يخطر ببالي من علية القوم ، وأدوس على مرض الزعامة الذي تلهث خلفه جل الناس ،وأضع يدي أسفل خدّي آخر الليل أو في منتصف التعليلة وأنام أمام صوبة الفوجيكا على وقع موسيقى أرطغرول..
اليوم يقف عقرب العمر في منتصف الدورة الرابعة ، وحصيلة هداياي التي جمعتها منذ نصف قرن الا نيّف، ثلاث قمصان كروهات ، جاكيت جوخ، علبة عطر تركيب، مصحف، وعلبة هندسة..أما الهدية الكبرى التي نلتها في هذه السنوات راحة الضمير ، و”هداة البال”..وفيما يتعلق بعلبة المنّ والسلوى التي جاءتني تركض من أربيل من غير مناسبة ذات عام ، فحسبها أنها أصبحت منبّهي الذي يوقظ أوجاعي ففيها من “اللوبيد،والجلفوسميت،والديمكرون،والفورسيجا،والليبتور،والأكتوس، والكونكور،وبيبي أسبرين”..ما يكفي لعشاء عقرب الحياة شهراً كاملاً..قابل للتجديد…
شكرا لله على نعمة الحياة أولاً، وعلى نعمة الناس الطيبين الرائعين الذين يحملون لك الحب لأجل الحب دون أدنى مصلحة…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com