بين الغربة والاغتراب/بقلم صافي خصاونه

بين الغربة والاغتراب

بقلم : صافي خصاونه

يُقال فلان يعيش في الغربه وفلان يعيش في حالة اغتراب … كلمتان متشابهتان في المبنى مختلفتان في المعنى كل الاختلاف… وفي عُجالة اقول:

الغربة هي انتقال المرء من مكان الى مكان لاسباب خاصة به.. هي انتقال المرء من مكان اقامته من بين اهله وجيرانه واصدقائه وذكرياته وموطنه الى موطن اخر يُعيد فيه ترتيب اوضاعه فيكوّن صداقات جديدة وجيران جدد وذكريات جديدة وموطنا جديدا…وحالة الانتقال هذه اي الغربه تكون لاسباب كثيرة يطمح المرء في تحقيقها كلها او بعضها… والغربة رغم ما فيها من مساوئ وسلبيات لكنها مفيده وايجابيه في اغلب الاحيان، ففي الغربة تجدد وفي الغربه تجديد وفي الغربة ثقافة وعلم وفي الغربه مادة وتحقيق طموح…

ونحن في هذه الايام نلاحظ بوضوح ان الاشخاص الذين يغتربون عن ديارهم يصادفون نجاحات كثيرة ويحصلون على اوضاع لا يستطيع غيرهم الحصول عليها… فالغربة تصقل الشخصيه وتنمّيها وتطورها، انها عنوانٌ من عناوين التميز الفردي انها طريقٌ للتفوق والتقدم والنهوض…اما الاغتراب –والعياذ بالله من هذه الحالة- فأنه حالة مرضيه يعيشها الفرد كما يعيشها المجتمع، انها شعور الفرد انه مرفوض من مجتمعه وناسه مثلما هو شعور المجتمع ان افراده وناسه غيرُ منخرطين فيه وان كل فرد في هذه المجتمعِ يغني على ليلاه… انه شعورٌ بعدم التجانس وعدم التوازن وعدم التقارب.

في حالة الاغتراب يشعر الفرد انه غريب عن مجتمعه واهله، يتولد عنده الاحساس بكره المجتمع له، بمقته، باحتقاره… ومثل هذه الحاله، حالة الاغتراب تتولد نتيجه عوامل وظروف وتراكمات نفسية كثيره… ومن ابرز هذه العوامل عدم تكافؤ الفرص داخل المجتمع والانحياز اللامُبَرر لفئة دون فئة… وعدم تكافؤ الفرص هذه يندرج تحتها الوظائف والمناصب والرتب اضافه الى الفوارق الماديه الكبيرة بين افراد المجتمع.

فمثل هذه العوامل تولد لدى الافراد شعورا بالكره والمقت والغيض فتنشأ حالة الاغتراب التي قد تؤدي الى تقويض دعائم المجتمع وبالتالي تقويض الدول والحكومات، فالدولة التي تريد ان تحافظ على ديمومتها وتريد الحفاظ على تماسك نسيج المجتمع فيها عليها ان تتوخى العدالة في كل امورها وان يتم توزيع المكتسبات فيها بعدالة وشفافيه ونزاهة وان تعتمد في ذلك على مبدأ تكافؤ الفرص وان الافضل هو من يجب ان يتولى مسؤوليه الشعب، كما ان على الدولة ان ارادت الحفاظ على ديمومتها ان تعتمد اسلوب المنافسه بين ابناء المجتمع وفي هذا تحفيز للجميع على الوصول واخذ دوره في الحياة.

ان على الدولة “اي دوله” ان تبتعد عن اسلوب التنفيع والتوريث، فكل ابناء المجتمع يجب ان يأخذوا دورهم واقصد اولئك المتميزين والافذاذ.

ان الدولة”اي دولة” وان الامة”اي امه” لا يستقيم حالها ولا تصل الى درجه الاستقرار والمنافسة الا بتحقيق العدالة الاجتماعيه بين افرادها. ان مجتمعاتنا اليوم تعيش حالة اغتراب بشعه، انها تعيش حالة مرضيه، تتفشى داءا عُضالا اذا لم تنبري الدول لعلاجها، فأنها الطوفان وانها النهاية. فما احوجنا لعلاج هذه الحالة التي اصبحت ظاهرة. ما احوجنا الى بلسم للشفاء وترياق للعلاج.