الأكل من الحاويات / كامل النصيرات

الأكل من الحاويات
كامل النصيرات

عزمني صديق على وجبة طازجة من بيته نأكلها في أحد المطاعم..وتفاجأتُ حين وصلتُ إليه بأنه خالي الوفاض ولا يرافقه إلاّ موبايله وباكيت سجائره..وأنا على لحم بطني من الصباح..!
بادرني بالقول: والله جبتلك حصتك معي..بس لما نزلت فوق رأيت أحدهم يبحث في الحاوية بطريقة ملفتة وحينما سألته عمّا يبحث قال: جوعان بدوّر على أكل..وأعطيته وجبتك..!
لكم أن تتصوروا ماذا حدث لي حينها..!! غرقتُ في موجة بكاء حارّة..كلماتي المخنوقة تخرج من حلقي كأنها سهام نار وأنا أردّد: من الحاوية؟ الحاوية؟!! يا الله ..! صديقي يحاول تهدئتي وأنا أقطع عليه قطعه عليّ: إلهذا وصلنا..؟ إلى هنا؟؟! وفي عزّ النهار..؟! إلى أين نحن ماضون..؟!
قلتُ لصديقي: كم ستصمد الوجبة في معدته؟ خمس ساعات..عشر ساعات..يوماً كاملاً..؟ وبعدها؟ سيعود للحاوية؟ أكيد سيعود للحاوية وأخوات الحاوية و كل ما يمتّ للحاوية..!
قد يقول الشبعان الآن وهو يطبّل على كرشه : هذا لو بحث عن عمل أي عمل لكان كفى نفسه ذلّ الحاوية..وتخريجات أخرى..! لكنني من خلال اشتباكي اليومي مع هذه الكتل البشرية المحرومة و المقطوعة الأحلام و المخنوقة الطموح أعرف كيف يفكّرون وكيف انحصرت الدنيا بأكملها في عيونهم برغيف خبز ناشف في حاوية مقرفة وعلى الرغيف أشكال وألوان من زوائد البشر المترعين..!