تجاعيد أسفل الحلم/ أحمد حسن الزعبي

تجاعيد أسفل الحلم

أحمد حسن الزعبي

كلما يتقدّم بنا العمر أكثر نصبح أكثر حساسية نحو الأشياء ، نهتم بالتفاصيل التي كنا لا نراها، نسمع أكثر مما نتكلّم ، نسعى إلى إطفاء الخلافات أكثر من الرغبة في إشعالها ، ننام جلوساً أثناء النهار ، لا نهتم كثيراً باستقامة كسرة البنطال ولا بصلابة ياقة القميص ، تدمع أعيننا على مشهد تمثيلي ، فقط لأنه قريب من الحقيقة…نرفع كسر الخبز اليابسة فوق الجدار..ونطفئ أضواء الغرف من باب التوفير..
**
في حاكورتنا، كنت قبل عقدين أكره “تلقيط الزيتون”، وانزعج من تحريك البراميل فجأة الى مكان العمل..وأكثر ما كان يثيرني عندما أسمع صوت “حب الزيتون يسقط في التنك الفارغ” كدعوة غير معلنة: “أستح ع حالك..وتعال لقّط”..فألبس رث الثياب وأحمل “تنكتي” وأبدأ بالفراط..لم أكن معنياً بتنظيف الشجر تماماً ، ما لم تطله يداي أتركه على غصونه، أضرب الغصن الذي يحجزني عن قطوف الزيتون ولا أتوانى عن كسره ورميه..أفرح للشجر العقيم وأكره الشجر الخصب المنتج المثقل بحمله..
الآن صرت في المرحلة الثانية من الأبوة ، أنا من يحثّ الآخرين على العمل ، وأنا من يحرّك البراميل ويبحث عن الأكياس ويحاول تجميع “التنك” والمفارش، في هذا العمر صرت معنياً جداً بتنظيف الشجر تماماً حتى آخر حبّة ، أحاول أن أغوص بين الورق لتلامس يداي حبتين وحيدتين في منتصف الشجرة ،الغصن الذي يحجزني عن قطوف الزيتون أنحني له أو أتحايل عليه لكني لا أجرؤ على كسره أبداً ،في المرحلة الثانية من الأبوة صرت أحزن عندما أرى الشجر العقيم ،وأفرح عندما أرى الشجرة الخصبة المثقلة بحملها..أحاول أن أنهى عملي باكراً كي تعود العصافير إلى أعشاشها ، لا أريد أن يفزعها ظلي أو أثقل عليها بوجودي، بعيد المغرب أعود الى غرفتي مغبّراً ،متعباً، أحمل ابريق شاي فارغ وكاسات ملوثة بالتراب والبصمات والزيت اللزج..
أزن الغلة وأحمد الله..في المرحلة الثانية من الأبوة صرت أباً تقليدياً ..أحث الأولاد على الدراسة وترك اللعب ،وأحرص على إطفاء الضوء غير الضروري، ورفع المقتنيات عن الأرض، وتعديل الملابس المقلوبة..
بعد العشاء انظر الى وسادة قريبة، أطلب من أحد الأولاد أن يحضرها..أضعها تحت رأسي ،أفتح على قناة الجزيرة ، أخفض صوت التلفاز وأنام قبل أن يبدأ برنامج “ما وراء الخبر”..

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com