تنبهوا و استفيقوا أيها العرب / د.مروان المعشر

تنبهوا و استفيقوا أيها العرب
د. مروان المعشر

ماذا يحدث في الوطن العربي من احتجاجات شعبية واسعة النطاق في العراق و لبنان و مصر و الجزائر و السودان ان لم يكن موجة ثانية مما اسماه الغرب الربيع العربي و اسميته اليقظة العربية الثانية؟ أثنتا عشر من اصل اثنتين و عشرين دولة عربية قد شهدت أو تشهد ثورات واسعة منذ العام ٢٠١١. و لكن الموجة الأولى انتهت في غالبيتها بقلائل و اضطرابات و حروب أهلية ما سمح للقوى القائمة في الوطن العربي بمخاطبة، أو تهديد، شعوبها بان عليهم القبول بهذه القوى لان البديل هو الفوضى.

هكذا، و بدون الالتفات الى المشاكل التي تتعرض لها مناطق واسعة من العالم العربي، و دون الاعتراف ان غياب الحاكمية الرشيدة السياسية و الاقتصادية هو ما ادى الى الاحتجاجات الشعبية، بشرتنا قوى الوضع القائم ان الربيع العربي تم تجاوزه، و ان المؤامرة الخارجية (دائما هناك مؤامرة خارجية) قد تم دحرها، و ان المسيرة مستمرة، رغم كل إخفاقاتها التي باتت واضحة وضوح الشمس، و ان ليس بالإمكان احسن مما كان و سيكون.

نجح الخوف من الفوضى في اسكات الناس مرحليا، و لكنه لم ينجح في حل مشاكلهم، و ها هم ينزلون الى الشارع في دول لم تشهد احتجاجات واسعة في الموجة الأولى من اليقظة العربية. فهل يقال لنا مرة اخرى ان هذه الموجة هي الأخرى مؤامرة خارجية؟ متى نتوقف يوما لنتحمل المسؤولية أنفسنا و ندرك ان العالم العربي لا يستطيع بعد اليوم ان يتجاهل الاهتمام بالحاكمية، و لا يستطيع إدامة نظام ريعي انتهى الى غير رجعة، كما لا يستطيع اسكات الناس بالقوة. تكمن في غياب الحاكمية و المؤسسات و سيادة القانون و العدالة الاجتماعية أسباب مشاكلنا، و لا زلنا نرفض الاعتراف ان ادارة الموارد و المؤسسات تتطلب حكما تغييرا جذريا في النهج، بعيدا عن الريعية و الأمن الخشن و نحو اعلاء قيم الإنتاجية و احترام التعددية و المواطنة المتساوية.

و للأسف، فقد أصبحت المطالبة بهذه القيم في الأردن تهمة لدى البعض أسموها ” التيار المدني”، لان دعاة التيار السلطوي المصلحي يريدون المحافظة على مصالحهم على حساب الوطن، و لان سيادة القانون على الجميع و بناء دولة المؤسسات من شأنها تهديد هذه المصالح.

وحدها تونس تواصل إعطاءنا الدروس، و لا تجير أصواتها لاحد، و تقلب الموازين عن طريق صندوق الاقتراع، و يتم تداول السلطة فيها سلميا بين الإسلاميين و الليبراليين و اليساريين و المحافظين و شتى الأطياف السياسية وفقا لادائها على الأرض في درس ديمقراطي بالغ الأهمية، و لكن احدا من الأنظمة العربية لا يريد ان يسمع.

لا زال التشبث بالوسائل القديمة و بالسلطوية سمة متفشية في العالم العربي رغم كل الشواخص التي تثبت فشلها، و رغم الاخفاق تلو الإخفاق. و لا زالت الوطنية لدى هذه الأنظمة تعرف بمدى تملق صاحبها للسلطة، اما النصح الصادق فخيانة! و لكن الشمس لا تغطى بغربال. و عاجلا ام آجلا لا بد من مواجهة الحقيقة الساطعة و هي اننا بحاجة الى أدوات جديدة ضمن إطار جديد قوامه الحاكمية الرشيدة و الالتفات الى معالجة القضايا الاقتصادية و الاجتماعية وفق منظور الكفاءة و العدالة الاجتماعية. هذا ما سيحفظ الاستقرار و ليس التشبث بمقولة الأمن و الأمان التي ما عادت وحدها تصلح لعالم اليوم كما ترينا كل الدول من حولنا.

حين اطلق النهضوي العربي إبراهيم اليازجي قصيدته المشهورة، “تنبهوا و استفيقوا أيها العرب، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب”، كان يرمي صرخة استغاثة لاستنهاض الشعوب العربية. اما اليوم فهذه الصرخة موجهة للأنظمة العربية لتغيير نهجها بعد ان استفاقت شعوبها و لم تعد ترضى بما رضي به آباؤها و أجدادها.