أول يوم / مصطفى الشبول

أول يوم

مصطفى الشبول

من يسكن بالقرب من مدرسة ابتدائية أو روضة أطفال يرى متعة أول يوم دراسي على وجوه الطلاب وأولياء أمورهم وخاصة الطلاب الجدد ، ويرى بأم عينه ذاك الاهتمام من قبل الأهالي لابنهم الطالب الجديد على المدرسة أو الروضة من خلال تقديم كافة الخدمات له بالإضافة إلى التشجيع والتصوير والتوصيل بباص المدرسة أو بالسيارة الخاصة (بس أرضى يا ولد)، وهذا كله يسوقنا للحديث إلى أول يوم دراسي لنا قبل حوالي الثلاثة عقود ونصف فقد كنا ندخل إلى الصف الأول ابتدائي مباشرة لأنه لا يوجد رياض أطفال ولا تمهيدي ولا حتى بستان في ذاك الوقت ، فقد كان أول يوم دراسي له رهبة شديدة جداً ويوم صعب على طالب الصف الأول لأنه يدخل بيئة جديدة و يجالس أناس جدد ، وعلى ما أذكر تم توزيعنا إلى ثلاثة شعب وكنت مع شعبة (ب)، وتم الترحيب بنا من قبل مربي الصف وبدأ بتوزيع الكتب ، وقتها لفت انتباهي وجود طالب يجلس بالمقعد الأول وقد كان طويل وجسمه مليان ، ( يعني اكبر واحد بالصف حجماً) مباشرة أخذني التفكير بأنه سيكون أقوى طالب وبأنه سيقود الصف وسيكون العريف ، وما هي إلا لحظات وإذ بصوت بكاء احد الطلاب بصوت مرتفع ، والمفاجئة بأنه الطالب الطويل ويطلب من الأستاذ بأن يرجع إلى الدار أو أن يحظروا له أمه أو أبوه ، وقتها ضحكت وقلت بنفسي : ( إذا هذا اللي خايفين منه برجف من الخوف لعاد شو نحكي أحنا ) وبقي مصّرّ على المغادرة أو إحضار أبوه ، وفعلاً تواصلوا مع أهله وحضر خاله وبقي معه لنهاية الدوام ، وضل يأتي خاله معه لعدة أيام حتى أخذ الطالب على أجواء المدرسة والصف…
نقول رغم قساوة الأيام الماضية وقلة الإمكانيات فيها لكنها كانت جميلة وذات رونق رائع ، وما زلنا نَحّنّ ونشتاق إلى أول يوم بالمدرسة والى رائحة الكتب المميزة و إلى أقلام الرصاص والدفاتر ، والى الممحاة التي نشتهي أن نأكلها من رائحتها الجميلة ، والى الطابور الصباحي والسلام الملكي ، وكم كنا ننتظر بفارغ الصبر قرع جرس الفرصة لنتسابق على هريسة أبو أشرف التي ما زال طعمها لا يغيب عن أذهاننا ، و نتسابق على أرغفة السندوتش المتواضعة والرخيصة واللذيذة بنفس الوقت … والأجمل من ذلك كله هو عندما يُقرع جرس نهاية الدوام لنرى قوافل العودة (الترويحه) كل أبناء حارة وحي مع بعضهم البعض..