لنتواضع قليلاً / احمد حسن الزعبي

لنتواضع قليلاً

احمد حسن الزعبي

لا يمكن أن نصعد إلى الفضاء من خلال “غسّالة بحوضين” تشرف عليها خالتي زريفة ، الصعود الى الفضاء بحاجة إلى وكالة أبحاث ومركبة فضائية وفريق متخصص..في نفس الوقت لا يمكن أن أتباهى بربطة عنقي اللامعة و”سروالي الداخلي” قد تآكلت أرضيته بفعل التقادم، أصلح سروالي أولاً أو اشتري بديلاً له ثم أفكر بربطة العنق ..فالبناء يبدأ من الأسفل؛ الأساس، الأعمدة، الجدران، السقف، ثم توضع الزينة والديكور والقرميد..
أنا استغرب كيف لا يشعر رئيس الوزراء بالحرج وهو يتكلّم عن النهضة بكل جدية وإصرار وهو يعرف في قرارة نفسه أن الكلام “فقاعات صابون في الهواء”، ثم يتعلّق هو بأحدى الفقاعات الكبيرة التي أطلقها ويدّعي جاهزيتنا لدخول الثورة الصناعية الرابعة “واحنا دلو رايب”مش عارفين نتفق على سعره …
يتحدث الأخ عن النهضة…وما زلنا نحرق الاطارات في الشوارع احتجاجاً على انقطاع المياه عن مناطق عدة في المملكة..كيف لا يتعرّق الرئيس بعد أن يلقي كلمة عن النهضة ومشروع النهضة..ويلاقيه على باب القاعة يشكو له أن الماء لم تصلهم منذ شهر، تمدّ له عجوز أوراقا لأنهم قطعوا عنها راتب التنمية؟ كيف لا يتعرّق والشباب يركضون خلفه وهم يصرخون شغلونا!! ..قمة الانفصام بالخطاب أن تتلّكم عن قفزات “انت مش قدّها” بينما لم تؤمن أساسيات الأساسيات لحياة المواطنين..
وصول المياه للمنازل ، تعبيد الشوارع ،توفر الكوادر الطبية ، التأمين الصحي، بناء المدارس..هذه مطالب من المفروض أننا تجاوزناها منذ ثلاثين سنة على الأقل!! من المعيب أنها ما زالت تطرح في كل زيارة أو تفقد كل منطقة ..من يفكّر بالنهضة عليه أن يكون قد عالج كل هذه المطالب الحياتية البسيطة التي تستطيع أن تؤمنها أفقر الدول وأضعفها إداريا واقتصادياً ثم ينطلق الى المدار الأوسع..
ومع ذلك، ومع كل هذا الواقع المأساوي.. يغمض الرئيس عينيه عن هذا الفشل ويمضي في الحديث عن النهضة ووجه النهضة ونمرة رجل النهضة والمدّة المتبقية للمس أثرها ..وهو في الواقع يتعرقل في أول ماسورة أو “مُــفّة” توضع بطريقه…يبدو ان الكلام جداً ممتع في هذا الجانب على الأقل بالنسبة له …

أعيد وأكرر لمن يعتقد أننا ننتقد لأجل الانتقاد ،الكاتب مراقب مثل حكم المباراة ، ليست هوايتنا التقليل من عمل الآخر، ولا تثبيط الهمم ، لكن في نفس الوقت من صلب عملنا “التصفير” عند وقوع الخطأ، لا يوجد شيء شخصي بيننا وبين الرئيس، لا ثأر ولا نسب ولا قضايا نفقة في المحاكم ، ما يجمعنا فيه هذا الوطن..ومن يعتقد أنه فوق النقد وفوق الوطن فليرتدي البيجامة المخططة والطاقية ذات “كرة القطن” ويجلس في بيته قرب زوجته يشرب “متّه” ويعتزل الناس، نحن نشخّص الواقع ويهمنا الوطن الذي سيبقى وهم سيرحلون ، وعندما نرى أياً كان مهما ارتفع شأنه او ثقل لقبه أنه أصبح “يفتّ برّه الصحن” علينا تنبيهه كي لا نخسر الصحن والفتيت والوقت الذي يمر علينا جميعاً..لذلك من يريد أن يعد الناس و يتكلم عن نهضة الدولة..عليه أن يؤمن ضرورات عيشهم أولاً،و لا يستعبدهم اقتصادياً ثانياً،ولا يقذفهم على ابواب السفارات ثالثاً…
سؤال يطرح نفسه – كدبوس فوق فقاعة حلم الرئيس- النهضة بماذا؟بأي مجال؟ ما تعريفها الذي “أكلت رأسنا” فيها؟..هل ممكن أن تجيب؟.

لنتواضع قليلاً..ونمشي على الأرض!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com