كيف يبدو؟ / احمد حسن الزعبي

كيف يبدو؟

احمد حسن الزعبي

“كيف سأبدو”؟ هذا السؤال الذي كنا نطرحه في سرائر أنفسنا بين الفينة والأخرى دون أن تجرؤ شفاهنا على نطقه ،التقطه صاحب فكرة “face app” وقذفه في مرايا هواتفنا ،ففار تنوّر الفضول فجأة لنرى كيف نبدو بعد عشر او عشرين سنة..التطبيق هو “ميكروويف” العمر ،أو جهاز “الطرد المركزي” للزمن ان شئت ، يعالج ملامحنا في ثوان يزيد تجاعيد جباهنا ،يشعل حريق الشيب في شعرنا ،يخبز نضارتنا في فرن التوقع ثم يقول لك : هذا أنت لو عشت عشرين عاماً أخريات!!..
جلّنا استخدم التطبيق ،وان انتقده في العلن الا أن أغراه في السرّ ، ففضول معرفة نتائج فصول الحزن والفرح، الكد والتعب، السنين القادمات، حصيلة انجاز المهمّات جزء من حب الحياة وممارستها..هو يشبه إلى حدّ بعيد أن ترى علامتك سرّاً قبل أن يعرفها أحد غيرك..من فينا يقاوم سحر النتيجة؟..

آه لو أن هناك تطبيقاً للأوطان أيضا..أن نضع صورة الأردن مثلاً..لنراه بعد عشرين سنة ،كيف سيبدو؟ كيف سيتخيّله الذين يرونه خارج الأسوار؟ الذين لا يرون وجهه في مرآة الحزن كل يوم؟ الذين يشتاقون لرائحة ترابه؟ للمبعدين قسراً برسم الرغيف…لو أن هناك تطبيقاً لوطني ..كي أرى تضاريسه ،تجاعيد الجبال ، شوارعه، حواريه،قراه، مديونيته..كيف سيبدو لو لم تغزوه الآن هالات الفساد السوداء ، محني الظهر بالمديونية ، يعيق حركته تآكل المفاصل،أرهقه عقوق الآخرين ، كذب باسمه الآف المنتفعين ، أجبروه على تناول كورس علاجات “صندوق النقد”..وهو يعرف تماماً أن الآثار الجانبية أخطر بكثير من رفض التداوي..
هذا الوطن شاهد النفاق بأم عينيه وصمت ، يعرف سرّاقه بالاسم و صمت، يغمض عينيه لا خوفاً ولا جبناً ولا ضعفاً، وإنما غضب الآباء الحليم..
الحمد لله..أن التطبيق يخصّ وجوه البشر..ولم يمض بتوقعاته نحو الأوطان..فأنا لا أحتمل الوجع أكثر..
الأوطان آباء أيضاَ..لا نحتمل أن نراهم الا وهم بكامل قيافتهم وحضورهم وأبوتهم…الأوطان والآباء لا يليق بهم الهرم وأن هرموا!.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com