الحسّاس معطّل / احمد حسن الزعبي

الحسّاس معطّل

احمد حسن الزعبي

حتى في البعد الاجتماعي هناك شيء اسمه “امتنان بالمعروف”..لا يوجد له “باروميتر” ولا وحدة قياس محددة ،وإنما يتم تقديره وحسابه بالذكاء الاجتماعي والعرف السائد..
للتوضيح أكثر، لا بد من طرح مثال : قد يكون لك على أحد الجيران أو الأقارب “دين” مئة أو ألف دينار وتعذّر سداده إما لضيق الحال أو لأن الرجل مماطل بطبعه..مع مرور الأيام قرّرت تزويج ابنك، فقمت بتوزيع الدعوات على الجميع بما فيهم الجار المدين من باب العرف والذوق الاجتماعي..وهو من باب الذوق وحق الجوار أو القرابة ، كان أول الحاضرين ، وأمسك برأس الدبكة ، وأشرف على توزيع الشاي ،والترحيب بالحضور، وعند الحنّاء ، حمل العريس على كتفيه وطاف به بين الحضور وتحمّل رائحة عرق المحروس وثقل بدنه..وفي نهاية الحفل قام بإعادة الكراسي الى مكانها وتنظيف الساحة ،وفك أسلاك الإضاءة ، لم يقم بذلك ، لا لأنه مدين ويتقرّب من الدائن ،ولكن لأنه نخوجي ولا يعرف التراخي او التقاعس في المناسبات..بالمقابل من الطبيعي من أخلاقنا وتربيتنا وذوقنا الرفيع ، يخجل الدائن في اليوم التالي أن يطالب جاره الذي أبلى بلاء حسناً في ليلة العرس بالمبلغ المستحق..يأتي ذلك من باب “الامتنان لما قدّمه من معروف أمس”..مع أن الدين حق له،والمطالبة مستحقة منذ زمن..هنا يصبح المعروف أقوى من الحق!
هذا في حال الدَّين،ما بالكم في حال “السلبطة” و”الخاوة” و”الاستقواء” و”الضرائب الجائرة”..قبل رفع المحروقات بيوم واحد، سارع الأردنيون بطبعهم النخوجي للاحتفال بالمناسبات ، لبّوا الدعوات،وحضروا الاحتفالات، وغنّوا حتى بحّت أصواتهم ، حملوا الأعلام ،وزينوا السيارات ،وأمسكوا برأس الدبكة، وظلوا في مواقع الاحتفال حتى غادر آخر “دقّيق مجوز”..وفي اليوم التالي قامت الحكومة برفع المحروقات بشكل جنوني لم يأخذ بعين النظر “الامتنان بمعروف الساعات القليلة الماضية”،ولا بالحضور ،ولا بالوطنية العالية التي ما زال كل الشعب يمسك بها لا جبنا ولا ضعفاً وانما محبة للوطن..
في المثال الأول يخجل صاحب المناسبة أن يطالب جاره بدينه وماله وحقّه..لأنه شاركه بمناسبة الأمس..وفي المثال الثاني لا تتوانى و لا تخجل الحكومة من فرض خاوة جديدة ،وضريبة جديدة،وجوع جديد على من شارك بالاحتفالات أمس..
..على ما يبدو “السنسور/ الحسّاس” الأردني معطّل لدى البعض!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com