بين الأقدام والأرقام / يوسف غيشان

سمع قوم بأن المدفعية التي تقصفهم ما هي إلا ماسورة مجوفة يتم وضع المتفجرات فيها مع كرات رصاصية ومعادن من اجل الإيذاء، فقرروا ان يصنعوا مدفعهم الخاص ، ولما لم يكونوا يملكون ماسورة معدنية عملاقة ، فقد عمدوا إلى تجويف جذع شجرة وحشوه بالبارود والرصاص ووجهوه نحو مواقع الأعداء وأشعلوا فيه النار.
طبعا تخيلتم الوضع: فقد انفجر جذع الشجرة فيهم وقتل منهم الكثير … نظر رجل منهم وهو مصاب والدم ينزف منه من كل مكان ..نظر بإعجاب إلى زملائه القتلى وقال:
– إذا إحنا مات منا عشرة من طلقة وحدة ….. كيف عندهم؟ (يقصد من تم توجيه القذيفة المفترضة إلى مواقعهم).
تحليل استراتيجي رائع..اليس كذلك؟
(2)
أعلن مدير مدرسة في لندن بأنه قرر تعليم تلاميذه كيفية السعادة من خلال حصص دراسية . وقال سليدون للصحفيين في مؤتمر صحفي بأن تركيز التربويين انصب مؤخرا على الجانب الأكاديمي متغاضين عن أمر شديد الأهمية ، وهو الرغبة في الاستمتاع بمشاعر السعادة .
ويعتمد المشروع على تدريس علم النفس الإيجابي وتعليم الطلبة على طرح المشاعر السلبية وحل مشاكل التناغم في العلاقات الإنسانية.
قصة السعادة…!! وما حاجتنا للسعادة أصلا …إن كل واحد منها هو مثل جبر . وجبر هذا رجل فقير ومقموع – مثلكم ، بلا زغرة- كان يتنقل بين القرى ، حتى مر بمقبرة ، وقرأ على شواهد القبور ما يلي :
– محمود… توفي عن عمر يناهز الأسبوع وله ثلاثة أبناء.!!
– سمير… توفي عن شيخوخة صالحة بعمر يناهز الشهر !!
اندهش جبر من هذه الشواهد ودخل إلى القرية وسأل أهلها عن الموضوع فقالوا له :
– إننا نعتبر أيام الحياة هي أيام السعادة التي يقضيها الإنسان وليس سنوات عيشه.
فقال جبر العربي :
– لقد أعجبتني قريتكم ، أريد أن أعيش بينكم ، وحينما أموت اكتبوا على شاهد قبري :
(هنا يرقد جبر … من بطن أمه للقبر)!!
(3)
«أبو بريص» هو الاسم الشعبي لأحد أنواع السحالي ، وهو كائن محترم ومرفوع الرأس ،متنوع ومستنير ومن كافة الأصول والمشاتل، فمنه الحرذون ومنه السحلية ومنه أبو بريص المنزلي وأبو بريص البري بأنواعه الأزرق (لابس جينز) والبني والكاروهات … وهو في كافة أصوله ومشاتله ومنابعه محترم ووقور ولحية غانمة.
أبو بريص هو الكائن الوحيد الذي أعجز كمبيوترات الفرنجة . إذ رغم التقدم التقني والإنترنت والساتلايت والمودم والكمبيوتر البيولوجي والاستنساخ عن بعد ..إلا أن أذكى جهاز وصل إليه الفرنجة حتى الان يعجز تماما عن الإجابة عن السؤال التالي :
_ أبو بريص قبل ما يولد ابنه بريص … شو كان اسمه؟
(4)
في سكتش للرحابنة يحضر ساعي البريد رسالة إلى احد ابناء القرية ، وبما ان الأمية كانت سائدة آنذاك ، فقد طلب الرجل من ساعي البريد ان يقرأها ، فقرأها على أساس إنها رسالة حب إلى ابنته، فأخذها إلى المعلمة التي قرأتها بشكل مغاير وتنقلت الرسالة بين ابناء القرية يقرأ ولما كان الجميع أميون فان كل واحد منهم قرأ الرسالة حسب رغباته ومصالحه، ومطالبه.
الدكنجي قال ان الرسالة تقول لها بأن تدفع ما عليها لصاحب الدكان وأن تشكره على صبره علينا، ، وكذلك فعل الخضرجي والفران وصاحب البيت…..!!
كل واحد من هؤلاء قرأ الرسالة على طريقته … وضاعت الحقيقة بين الأقدام والأرقام.