الأردن وعوامل الهشاشة!/كاظم الكفيري

الأردن وعوامل الهشاشة!

كاظم الكفيري

يمثل الأردن قصة نجاح في سياسياته الخارجية والتي تمثلت في نهج الاعتدال والوسطية وعدم التدخل في شؤون الدول،. والايجابية العالية في التعاطي مع كل الطروحات والمبادرات، وتبني الحراك الخاص بالحوار بين الاديان والحضارات والثقافات. وقد صمد في وجه العواصف العاتية. في حين أن برنامج التحول الإقتصادي والإجتماعي الذي بشرّ بعوائده عدد من رجالات الدولة شابه الكثير من الأخطاء وسوء التقدير… والإدارة (!) وهو ما أفضى إلى وجود فجوة بين البرامج الحكومية وبين متطلبات المجتمع بمختلف طبقاته. فلا التاجر راضٍ عنه، ولا المستهلك أيضاً. لم يراع أحوال العمال والموظفين ومتدني الدخل، لأنه لم يراع أصلاً خصوصية الواقع الاردني وطريقة حياة الأردنيين وسبل عيشهم.

أفضت هذه الأحوال إلى ظهور عوامل هشاشة في المشهد الداخلي طالت النخب التي أدارت مؤسسات الدولة أو كانت سببها لها، وقوى الشعب المختلفة، وظهر التناحر والصراع بينها جلياً، وادى الى انقسام الناس حول كثير من القضايا، وخاصة مع عدم وضوح المعلومة وغياب الثقة وتآكل الرهان على البرامج الحكومية التي لم يعد يصدقها أحد!.

أظن أن من بين اسبابها ظهور ثلاث فئات من الذين يتصدرون المشهد السياسي والبرنامج الاقتصادي ممن يبحثون عن التكسب والحضور حتى لو كان تصدر جاهات الاعراس، أولاها الساسة ممن تولى مسؤولية رئاسة الحكومة والوزراء السابقيين ومن في حكمهم، هؤلاء اليوم يظهرون في المحاضرات والندوات وفي كل مرة يثيرون الزوابع والخلافات بالعزف على وتر الوجدان الأردني، فيختلف الناس وتنفتح الخلافات على مصراعيها، بتكرار موضوعات تتعلق بالهوية والأمن والاقتصاد. ربما باتوا يشعرون أنهم خروجهم من مواقع المسؤولية فوّت عليهم فرص إستمرار حضورهم في مواقع صنع القرار، بإستثناء نموذج مضر بدران وعبد الكريم الكباريتي، الذين لم يعوضا خروجهم من المواقع العامة بالندوات والمحاضرات.

ثاني تلك الفئات هي المعارضة العدمية، التي لا تنظر إلى المشهد إلا من زوايا التشكيك والتحريض وإثارة الرأي العام، وخصوصاً مع سيطرة وسائل التواصل الإجتماعي في تشكيل إتجاهات الرأي العام. معارضة تبحث عن منابر ومنصات مهما كان الثمن، وظيفتها بث اليأس لتشكيل رأي عام شعبي ناقم، والغريب أن عدداً من المحسوبين على هذا الشكل من المعارضة يؤيدون أنظمة قمعية تسوء علاقاتها بشعوبها، هؤلاء لا يؤمنون بمساحات من الاختلاف والحوار، بالتالي لا أعتقد أنها فئة يعول عليها لتحسين شروط الإصلاح السياسي والاقتصادي.

أما الفئة الثالثة التي تزيد من عبء المشهد فهي فئة السحيجة، تلك التي تنظر إلى المشهد على أنه نموذج مكتمل تماماً، وان الأمور على مايرام، والنقد ضرب من أجندة معادية متآمرة. لا مساحة من الإختلاف ولا يوجد أية ضرورات له، وكأنك امام نموذج لتسويق اوضاع ليست أوضاع الأردن وظروفه!

نحن بحاجة الى حوار ينفتح على الجميع، ويضع على الطاولة أحوال الناس وظروفهم، ويناقش إمكانيات الخروج من هذا المأزق الذي تسببت بها حكوماتنا المتتالية، ويطرح فيه آراء جادة دون تهويل وبهرجة ونرجسية، نحتاج إلى قوانين إنتخاب تحترم إرادة الناخب، وتكون إنعكاساً حراً لارادتهم، وأن نصل الى مفاهيم واحده نتفق عليها مثل الولاية العامة وادارة الاقتصاد والقضايا السياسيه الكبرى وكيفية مواجهة التحديات والضغوطات التى تمارس على الاردن واخضاعه الى الرضوخ لارادة الدول الكبرى. الاردن مر عبر تاريخه بأوضاع أصعب لكنه توحدت قواه وقيادته . حمى الله الاردن من تلك الفئات وعاش بلدا وفاق واتفاق كما هو دائماً.