ھل یصدق الرئیس ھذه الأرقام؟ / ماھر أبو طیر

ھل یصدق الرئیس ھذه الأرقام؟ / ماھر أبو طیر

مع احترامي لشخص رئیس الوزراء، إلا أن تصریحھ في مؤتمره الصحفي، الذي أشار فیھ إلى أن العائلة التي یعمل بھا اثنان، لیست فقیرة، لم یكن موفقا ابدا

أنا ادرك أن المشكلة تكمن في تعریفات الفقر، رقمیا، واحصائیا، عند الجھات التي تحلل ارقام الفقر، وھي بھذا المعنى تأتیك بنتائج صماء، لیس لھا علاقة بالواقع، أبدا، بل تحسب نسبة الفقر، وفقا لاعتبارات دنیا، لا تتوافق مع واقع الحال، بل تتعارض بشكل كبیر
رئیس الوزراء، یستعمل الأرقام الرسمیة، لكنھ لو جلس في مكتبھ، ووضع ورقا وقلما امامھ، وقام بحسبة مالیة، حول عائلة من أربعة افراد، یعمل بھا الأب والأم، بدخل مجموعھ سبعمائة دینار، لاكتشف ببساطة أن ھناك عجزا شھریا، وھذا المبلغ لا یأتي معجن العائلة بالخبز، خصوصا، اذا حسبنا كلفة الانفاق على الایجار، والكھرباء والماء والاتصالات، والغذاء، والمواصلات، ولو اردنا الاستزادة فإن كلفة طالب جامعي في البیت، أو كلفة التدخین، أو كلفة العلاج، أو اللباس، أو التدفئة، أو الأعیاد، والمجاملات الاجتماعیة، وغیر ذلك من كلف، لوصلنا إلى نتیجة كارثیة حقا، تؤكد أنھا عائلة فقیرة جدا لا یمكن للحكومات، أن تقف فقط عند الأرقام، إذ إن ھذه الأرقام التي تزودھا بھا الجھات التي تحلل واقع المعیشة، وفقا لمعاییر معینة، ارقام كاذبة، أو مضللة، أو غیر دقیقة، ولا تتناسب مع واقع الحال، ولا یمكن ھنا، أن یكون الحل، التخلي عن كثیر من الاحتیاجات الأساسیة، للعائلات، ھذا فوق أن اغلبنا یدرك أن متوسط العائلات في الأساس، اكثر من أربعة افراد، وفي كثیر من الحالات، یكون الدخل اقل من سبعمائة دینار، ھذا على افتراض أن الاب والام یعملان معا، دون أن ننسى ھنا، مغزى عمل الام، من حیث كلف حضانات الأطفال، والمدارس، وغیر ذلك، وھي قصة أخرى، أكثر تعقیدا
تصنیف الفقر، بحاجة الى تغییر من حیث معاییره، لان الحیاة باتت صعبة جدا، ولا یمكن أیضا، أن نطالب العائلات، بالتوقف عن تعلیم الأبناء، أو التخلي عن احتیاجات أساسیة، ھذا فوق أن واقع الحال، یقول إن الأردن تغیر اجتماعیا، إذ أن اغلب العائلات، لدیھا أقساط سیارات، بسبب سوء المواصلات، وغیر ذلك من أسباب، بحیث لا یكون ھناك خیار سوى التورط بمزید من الدیون، والالتزامات الشھریة، وھذا التعثر المالي، أسوأ بكثیر من الفقر المطلق، أو الفقر الماحق، لأن المصاب بالفقر المطلق، یتخلى مباشرة، عن كل ھذه القصص، فیما العائلات التي ترید أن تعیش بشكل طبیعي، مثلھا مثل بقیة خلق الله، یتم دفعھا إما للدیون، أو لدفع كلفة اجتماعیة، عبر الطلاق، أو التفكك الاسري في كل الحالات، ملف الفقر، بحاجة إلى نظرة مختلفة، فنحن أمام مشكلة من شقین، أولھما تعریف الفقر، وھو قائم حالیا على معاییر غیر دقیقة، وثانیھما، حل ھذه المشكلة، وھو الأھم، والكل یدرك ان الحل الأفضل، فك الانجماد عن القطاع الخاص، لفتح الاف الفرص، بدلا من حالة الاغلاق، وانھاء الوظائف التي نراھا، خصوصا، في ظل عجز القطاع العام، عن تشغیل المزید، وھو یغرق أساسا، بموظفین لا عد لھم ولا حصر، یكبدون الخزینة رواتب مرعبة، وامام استحالة الھیكلة التي لا تجرؤ علیھا أي حكومة، لاعتبارات كثیرة
ذات مرة، قلت لرئیس حكومة، أن حكومتھ بلا قلب، كونھا تتصرف بمنطق الأرقام العمیاء، فشعر بتوتر شدید، ولم یقبل الكلام، وما أزال أقول ھنا، إن التواري وراء الأرقام، حتى وإن ظھر علمیا واحصائیا، بشكل مدروس ودقیق، الا أنھ لا علاقة لھ مع الواقع، ولا نرید أن نكرر الكلام، ونقول أن اغلب حكوماتنا بلا قلب، حین تتخذ قراراتھا، بل نحض الحكومة الحالیة، على تغییر ھذه الطریقة، من حیث الاستناد إلى الأرقام ومعاییرھا، ومن حیث تعریفات الواقع، ومن حیث استبصار حالة الفقر، لیس بین الفقراء الموصوفین بفقرھم المدقع، بل بین العائلات التي تحاول أن تصمد، لكنھا تنھار الواحدة تلو الأخرى