وصلنا اللحظة التاريخية / سهير جرادات

وصلنا اللحظة التاريخية

سهير جرادات

بات سفر الملك المتكرر إلى الولايات المتحدة الاميركية مقلقا للمسؤول قبل المواطن، خاصة في

ظل غياب برامج للزيارات ، وما يطرح بها – إلا ما يسمح لنا به- إضافة إلى ما يشاع بأن الزيارة

الحالية تعد من أخطر الزيارات الملكية إلى امريكا .

من الواضح ان ساعة صفر التطبيق باتت وشيكة ، بعد ان نفذت الولايات المتحدة الامريكية انماطها

السياسية الثلاث على المنطقة العربية ، والمتمثلة في مرحلة التغيير الناعم – أو ماعرفت بثورات الربيع العربي – ومن بعدها مرحلة التغيير الخشن المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش)، حتى وصلنا الى مرحلة الاحتواء الاقليمي وجميع هذه الأنماط السياسية نفذت من خلال تحالفات مع الاحزاب والحركات الشبابية وبعض القنوات الاعلامية، وبمساندة من دول لها وزنها وثقلها سياسيا في المنطقة .

جميع المراحل التي مرت ، وخاصة المرحلة التي وصلنا اليها، زادت من قناعتنا بأننا شعب مغيب ، كما ان المسؤول من الصف الأول مغيب ايضا، وأعنى نادي رؤساء الوزراء الذين لم نسمع منهم نحن الشعب الشغوف لمعرفة مصيرنا الذي يقلقنا ، لأنهم هم لم يسمعوا ما يريحهم في اللقاء الذي جمعهم مع قائد الوطن ، وكل ما نقل عنهم عرض للتحديات التي تواجهنا ، واستعراض لقضايا واقع الحال ، ولم يخرجوا علينا بأي طروحات عملية ، وكل ما سمعناه عن اللقاء : اكثر الرؤساء حديثا ، واقلهم حديثا ، والرسالة المهمة التي أوصلها اصغر الرؤساء والتي وجهها لجميع من سبقوه بما فيه نفسه ، حول ضرورة تحملهم مسؤولية ما وصلت اليه حال البلاد.

وبالعودة إلى مرحلة التغيير الناعم، التي تعرف بثورات الربيع العربي ، نجد أن قوى خارجية حرضت المجتمعات على انظمتها ، وشجعتها على طرح مطالبها بسقوف عالية فحملت شعارات مكافحة الفساد واصلاح النظام وتعديل الدستور ، وهذا ما حدث حيث طالبت العديد من الدول العربية بتغيير انظمتها، منها من نجح باحداث تغيير بغض النظر إن كان سلبا أو ايجابا مثل تونس ومصر وليبيا ، ومنها لم ينجح.

واعتمدت هذه المرحلة على فئة الشباب في التظاهر- لكسب التأييد الشعبي – وبعد أن أتت أكلها هذه الثورات خطفت ( القوى المتنفذة )المشهد لصالحها والاستحواذ على السلطة تماما كما حصل في تونس ومصر .

إلا أن التغيير الناعم لم ينجح هنا في الاردن، فلم ننجح بالحد من الفساد أو مكافحته أو تعديل الدستور – بشكل مرض- أو يتناسب مع المطلب ولم يدخل المواطن شريك في الحكم ، وكل ما نجحنا به هو اتساع الفجوة بين الشعب والنظام بعد الفشل في التغيير وبالذات ما يتعلق بالإصلاح ومحاربة الفساد .

علينا ألا ننسى أن هناك ثلاث قوى تتحكم بالمنطقة، وهي : تل ابيب واسطنبول وطهران، لكنها لم تحرز تقدما في القضايا المفصلية بالمنطقة ، وبالذات ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، لذا يحاول الاردن أن يشكل محورا رابعا يرتكز على الدفاع عن الهوية العربية وحفظ مكانة الاقليم والدفاع عن قضاياه، الا أنه فشل في ظل تمدد نفوذ الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، وكان أكبر سبب لفشله هو الصراع على القدس والوصاية عليها دينيا ، حيث لا تعد القدس مكانا للعبادة بقدر ما هي رمز لسيادة نظام الحكم الاردني ، وارث تاريخي للهاشميين ، وحماية لمستقبله كصاحب الولاية المقدسية.

بعد هذا الفشل ،ولتعبئة الفراغ الذي أحدثه النمط الناعم اتجهت الانظار نحو النمط الخشن أو الفظ ، القائم على ( المذهبية ) ، إذ خرجت علينا تنظيمات متطرفة ، تحت اسم تنظيم الدولة الاسلامية – داعش – ، استخدمت اسلوب الارهاب واستقطبت الشباب المنهزم من النمط الناعم مستغلة شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الافكار المتطرفة لاستقطاب الاعوان ، وهذا ما شاهدناه في سوريا والعراق .

وعندما وصلنا الى المرحلة الثالثة والأخيرة ، التي تعرف بمرحلة “الاحتواء الاقليمي”، حيث بدأت ملامحها بتنفيذ صفقة القرن عندما أعلن صاحب السلطة – البيت الابيض – أن القدس عاصمة اسرائيل ، وقبلها توجيه رسالة للضغط على ” الاونروا ” بتقليص الدعم عنها ، سعيا للحد من أعمالها وبالتالي اغلاقها لتنتهي معها المطالبة بحق العودة.

هذه الأجواء والانماط السياسية التي مورست علينا ، أوصلتنا إلى اللحظة التاريخية، التي يشوبها الكثير من السرية والكتمان حول صفقة القرن وبنودها ، وموقفنا في الأردن تجاهها ، يدل على عدم رغبة القيادة في مجابهة الشعب وتقديم المعلومات والحقائق التي تتعلق بمصيره وهويته الوطنية ومستقبله على أرضه، وبالتالي ترك الشعوب في حالة( تخمين )مما يفقدها الاتزان المجتمعي ويزيد شعورها بالقلق من المستقبل لتصل إلى محصلة بأن هناك ( صفقة تنفذ يراد فرضها على المنطقة ، يعجز قادة المنطقة وانظمتها عن التعامل معها بالكيفية )، لانها لا تمتلك القدرة على التدخل في وقفها أو تعديلها – وهذا محور يثير تخوفنا نحن الشعب ، وما زلنا بانتظار إجابة شافية حوله ، الأمر الذي يدخلنا في نفق فُرض علينا دوليا وبتدخلات إقليمية ، لا نعلم مدى طوله ، ومتى سنخرج منه ، ولا نعلم مقدار خسارتنا في حال خرجنا منه، وكلنا يتوقع خطورته .

الاحتواء الاقليمي والصفقة ، ليس لنا خيار إلا في مناقشة “الثمن ” ومكان التسليم وزمانه، كون الصفقة تؤشر الى أن مرحلة التفاوض انتهت، وأننا أمام مرحلة التنفيذ القائمة على التفاصيل وآليات العمل . الآن ، الأمر لا يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية فحسب، إنما يتعلق بنظامنا وتهديد هويته ، وصولا إلى ولادة شرق أوسط جديد .

Jaraday63@yahoo.com