الناطق الاعلامي يرسل ولا يستقبل … بقلم محمد محسن عبيدات

كنانة نيوز – محمد محسن عبيدات

يعد الاعلام الرقمي الجديد على الشبكة العنكبوتية ” الانترنت ” من اهم الميزات التي تميز العصر الحديث , واصبح الانترنت  واسع الانتشار  بشكل كبير جدا وموجود  في كل بيت  ومكتب ومدرسة ومن خلال الهواتف النقالة , حيث اصبح من السهل الوصول الى اي معلومة  والحصول عليها والاستفادة منها في كافة المجالات  العلمية والبحثية والثقافية والاعلامية  في وقت قصير جدا يصل الى دقائق معدودة .

ونتيجة لهذا التطور الكبير والسرعة الهائلة في تناقل الاخبار والمعلومات , اصبح العالم اشبه ما يكون بقرية صغيرة , واصبح بإمكان اي شخص يستخدم الانترنت  وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي  , ان يكتب ويصور وينشر بكل سهولة ويسر وبدون اي قيود او شروط وبغض النظر  عن نوعية  الاخبار واهميتها وخطورتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع  , حيث اصبح رواد مواقع التواصل الاجتماعي  الاقرب الى مهنة  الاعلام  ويطلق على نشطائها باسم ” المواطن الاعلامي ” .

المواطن الاعلامي موجود في كل مكان وزمان على ارض الواقع  يحمل هاتفه النقال المليء بالتطبيقات الحديثة والمربوط بالشبكة العنكبوتية ويمتلك صفحات عديدة على معظم مواقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك , تويتر , الواتس اب , انستغرام وغيرها ) يوثق المعلومات بالكلمة والصوت والصورة ويقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي , واليوم ومع خاصية البث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت  في متناول الجميع  ولا تحتاج   الى الراي والراي الاخر .

والاعلامي يواجه تحديدات كثيرة  عند نشر اي مادة صحفية  نتيجة الضوابط والاخلاقيات التي تحكم  مهنة الاعلام ومن اهمها الدقة والشفافية والمصداقية  والمرجعية في التعامل مع اي معلومة  قبل نشرها  بالإضافة الى ان الاعلام المهني يبرز الجوانب الايجابية ويعززها وينقد السلبية ويحاربها  ,  وهذه الضوابط والاخلاقيات تتسبب بالتأخير الكبير في نشر المواد الصحفية  , و بالتالي يتحتم على الاعلامي الوصول  الى وجهات النظر  لكافة الجهات المعنية  وتوثيقها , وهذا يتطلب  التواصل  المباشر  مع الناطق الاعلامي  لتلك الجهات  حتى يتمكن الاعلامي  من ان ينال استحقاقه الدستور في نشر الخبر الذي  ينافسه اليه ” المواطن الاعلامي  ” الذي هو بالأساس فريسة سهلة  لتصدير الاخبار المغلوطة و الاشاعات الهادمة  نتيجة عدم المعرفة  والخبرة في نقل و نشر المعلومات , وما يلبث ان يقوم على مشاركتها عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فتنتشر المعلومة  كما انتشار النار في الهشيم  وخلال فترة زمنية وجيزة .

ومن هنا تبدأ معاناة الاعلاميين  عندما يتم التواصل  مع الناطق الاعلامي لتلك  المؤسسات , باعتباره المتحدث الرسمي بالإنابة عن المؤسسة , وهو الملم والمتابع لكافة الاحداث والمستجدات  المتعلقة  بمؤسسته , وكذلك هو الشخص  المخول  والمتفرغ للتواصل مع ممثلي وسائل الاعلام , ويلجا الاعلاميين الى اتباع العديد من الطرق للتواصل معه , فالطريقة الاولى هي الاتصال المباشر على هاتفه  الخلوي , ويتكرر الاتصال لعدة مرات وفي فترات  زمنية مختلفة , الا  انه  يصر على عدم الاجابة , بالإضافة الى الردود الالية   الاخرى مثل ( الهاتف الخلوي لا يمكن الاتصال به , الهاتف الخلوي مغلق حاليا (  , والطريقة الثانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي  من خلال ارسال رسالة على الوتس اب او المسنجر او تويتر ومنها ما يصل ولا ينظر فيه , ومنها لا يصل , ومنها قيد الوصول , ونادرا ما يصل وينظر فيه , اما الطريقة الثالثة من خلال الاتصال على الهاتف الثابت الارضي ” مقسم المؤسسة ”  وتبقى في حالة انتظار وخيارات من الرد الالي ومن ثم تعود وتواصل الاتصال على مأمور المقسم عدة مرات وفي عدة فترات , الى ان يحالفك الحظ  ويتم قبول المكالمة من مأمور المقسم وتبدأ بالشكر الجزيل والاحترام الشديد حتى يستعطف مأمور المقسم  ويتم ايصاله بالناطق الاعلامي او بديله , الا ان مأمور المقسم يحاول الاتصال بالمكتب  وبكل المكاتب الاخرى ولكن لا حياة لمن تنادى .

اما في حال حالفه الحظ و تم استقبال الاتصال , يقوم الاعلامي بتوجيه العتب الخجول معبرا عن المعاناة الكبيرة للوصول اليه , وبنفس الوقت يتوجه الاعلامي بالدعاء الى الله  بان لا ينقطع  الخط حتى يحصل على الرد ,و طبعا في اغلب الاتصالات يتم انقطاع  الاتصال , اما في حال بقى الاتصال يستمع الى الملاحظة بكل اهتمام , وعند الانتهاء على الفور يقوم بالنفي التام  او التقليل  من اهمية الموضوع وتبسيطه  , ومنهم من يمتلك  المهارة  في فن الحوار  وتشتيت الافكار  فتارة بالشرق وتارة بالغرب وتارة اخرى زي ما بقول المثل (  بوديك البحر وبرجعك عطشان ) , ومنهم من  يتهرب من الاجابة ويقول سأقوم بمتابعة الموضوع  والتأكد من المعنيين واصحاب الاختصاص لدينا وساوافيك بالرد لاحقا وبوقت وجيز , ويختتم بقوله حبيبي اخوي نحن في خدمتكم وهذا تلفونك رح احفظه على جهازي من اجل التواصل معك مستقبلا , ولكن بالحقيقة سيتم حفظه ليس للتواصل بقدر ما هو لعدم التواصل , ولو كان الرقم من بالبداية معروفا لما كان هناك تواصل . ويبقى الاعلامي يقف على جمر ينتظر الاستماع الى وجهات النظر وتقصي الحقائق و التأخير في نشر المادة الصحفية ما يزيد عن 6 ساعات  في الوقت الحالي  يصبح الخبر متأخر  وقديم ويتعذر نشره , وتبقى الفرصة مهيأة امام المواطن الاعلامي في الهيمنة  والانتشار السريع والسيطرة على المتابعين  من رواد التواصل الاجتماعي .

اما عند الارسال فتجد الناطق الاعلامي موجود في اغلب المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي , بالإضافة الى المجموعة الخاصة بالرسائل الجماعية التي يتم اضافة ممثلي وسائل الاعلام عليها  لتزويدهم بالأخبار الروتينية حيث يتم يوميا ارسال مواد صحفية  بغزارة مع عدة صور وكلمة كل الشكر والتقدير وبدي اغلبك  ابعثلي الرابط   , اما الاخبار الهامة يتم توزيعها بدون عدالة  وتعتمد على المزاجية  والعلاقات الشخصية  لتكتشف ذلك بعد ان تصلك المادة تجدها منشورة على مؤسسات اعلامية قبل ساعات وتحديدا الرسمية  و الاوسع انتشارا .

وبالختام  يتضح لنا ان الواجب الحقيقي المناط  بالناطق  الاعلامي في عدد من المؤسسات في القطاعين العام والخاص  هو الارسال  وليس  الاستقبال , وهذا ما ينعكس بشكل سلبي وكبير على الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات الاعلامية الالكترونية  المهنية تحديدا  في نقل الحقائق والتصدي الى الاشاعة والمعلومات المغلوطة التي تفتك بالمجتمع  الذي جل اهتمامه  المعرفي والثقافي  مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي , فاصبح المواطن اسيرا لا يستطيع الانفكاك منها , تحاصره في كل مكان وزمان  , والاعلام المجتمعي  اصبح بدون منافس هو المؤثر الاول والاقوى على المجتمع .