ما بعد التقاعد / رائد عبدالرحمن حجازي

ما بعد التقاعد

رائد عبدالرحمن حجازي
أبو سلطان وبعد خدمة إثنان وثلاثون عاماً تمت إحالته على التقاعد وها هو أصبح جليس الفراش ومعظم وقته يقضيه في متابعة الأخبار من خلال بعض المحطات الفضائية بالإضافة لمحطة أو محطتين تبثان مسلسلات بدوية قديمة يُنشط فيها ذاكرته , وبالإضافة لذلك فلديه عمل إضافي وشبه يومي وهو متابعة عمليات تحضير الطعام والإشراف على ما تقوم به أم سلطان في المطبخ .

طبعاً أم سلطان في البداية كانت تسايره وتجامله كي لا يشعر أبو سلطان بالفراغ ولكن مع مرور الأيام والأشهر أصبح وجود الشيف أبو سلطان يُمثل عبئاً ثقيلاً على أم سلطان وخصوصاً عندما يُعطي تعليماته الفنية في الطبخ والتي لا تمت للطبخ لا من قريب ولا من بعيد بِصلة لدرجة أنه في بعض الأيام كانت الأمور تتأزم وتصل لحد الطلاق لولا لُطف الله . لذلك قررت أم سلطان وبالتشاور مع ولدها البكر سلطان أن يحولوا أنظار أبو سلطان لعمل أخر وكان الحوار الأتي بين الأم وولدها .

أم سلطان : يُما شوفلك شغلة لأبوك وخليه يحل عني تراه ظيّق عليّ عيشتي ومش مخليني أدور وأستدير بهالدار , وبعدين يما صاير يتدخّل بكل كبيرة وزغيرة وخصوصاً بالطبخات , يوم بحتشيلي لا تِزعقي الطبخ (تكثري ملح) ويوم بحتشي لويش مقللة ملح هو إنتي دافعة من جيبتش , ويوم بحتشيلي لا تكبريش فرمة البندورة بالزلطة وثاني يوم بقول ول عافسة البندورة عفس , وإمسات بحتشي لي صارلتش عندي ثلاثين سنة وما بتعرفيش تقلي جوز بيظ , والله يُما احترت وشو بدي أسوي معاه ؟
سلطان : بسيطة يُما وشو رأيتش نفتحلة دُكانة زغيرة بهالخشة إللي بِحذا الدار , وهيتش بقظي فيها مُعظم النهار وبحل عنتش وعنا.
أم سلطان : على واه إنه يقبل .

فعلاً تم إقناع أبو سلطان بالفكرة وأصبح دُكانه شغله الشاغل وراح يتوافد عليه بعض أصدقائه ممن سبقوه للتقاعد لقضاء وقت فراغهم عنده من خلال إستحضار ذكرياتهم القديمة وبطولاتهم الوظيفية بالإضافة لتحليلات وإستقراءات لما يدور حولهم من أحداث سياسية إقتصادية ومجتمعية , بالمقابل إنهالت بطاقات الشكر والتهنئة على أم سلطان من جاراتها وبعض نساء القرية ممن كانت حالتهن كحال أم سلطان .

حل بسيط وبرأس مال متواضع تم إنقاذ عائلة أبو سلطان من التفكك والضياع الأُسري لا بل وتحسن وضعهم الإقتصادي . يا ترى ألا يمكن تطبيق مشروع دُكان أبو سلطان على مستوى أكبر . مثلاً السماح للمستثمرين وخصوصاً أصحاب المشاريع التنموية والتي تحتاج لكوادر بشرية بإنشاء هذه المشاريع وبدون فرض ضرائب خيالية تُعيق نمو هذه المشاريع , وبالتالي ستكون النتيجة إيجابية على الجميع وخصوصاً على خزينة الدولة . كيف ذلك ؟ مثلاً التخفيف من البطالة وذلك عن تشغيل الأيدي العاملة فتتحرك عجلة الإقتصاد بالبلد وبالتالي زيادة السيولة النقدية بين أيدي الناس مما ينتج عنها زيادة في الحركة الشرائية وبالمحصلة رفد خزينة الدولة عن طريق تحصيل الرسوم والضرائب المتواضعة وليست المجحفة .

وشو رأيكوا إللي ببالي وببالكوا بردوا على هالحتشي ؟