إن تصرخ تعش!.. / احمد حسن الزعبي

إن تصرخ تعش!..

احمد حسن الزعبي
أنا أكره الميكرفون وأكره الكاميرات وأكره كراسي الجلد وأكره الأقلام التي تسيل حسبما يُرسم لها..أكره شهود الزور جميعاً..عندما يكون الاستعراض اللفظي هو الانجاز بحدّ ذاته بينما الواقع أكثر مرارة من المرّ نفسه..
على طريقة العجوز البدوية التي يزورها مسؤول مهم ويتفقد حالها ، فتنتبه لها كاميرات الدولة ، وتمطر عليها الدنيا “معلّبات” وحرامات ثم تنتقل إلى غرفة ومطبخ وحمام لا تختلف كثيراً عن خربوشها لكنها تحمل سقفاً على الأقل…وهناك مئات وربما الآلاف اللاتي يعشن بنفس الظروف والبؤس لكن لم يحظين بزيارة المسؤولين وبالتالي تجاهلتهن الكاميرات ، لا بل تقف كابسات البلدية لترمي زبالتها قرب خربوش تلك الوحدانية دون اكتراث أو تحسين حال..فالمحظوظ من تلتقطه الكاميرا ويصبح مادة تشويقية وتسويقية للتواضع والاهتمام بشؤون العامة..

كنت أقول على طريقة العجوز التي يزورها مسؤول..هكذا تدار الدولة..عليك أن تصرخ عالياً حتى تعيش ، عليك أن تسكب الكاز على ملابسك وتهدد بحرق نفسك حتى يعرفوا انك جائع، عليك ان تقفز عن جسر عبدون حتى يعرفوا انك بلا وظيفة ، عليك أن ترمي نفسك تحت الموكب حتى تعرف انك ظلمت من مافيات الفساد..على هذه الطريقة تحل مشاكل الناس..(بالقطعة ) حالة حالة..لا حلول جذرية عادلة تشمل الجميع..

أوجعني قلبي عندما رأيت أمّاً تصرخ من وجعها من خلال فيديو مصوّر ،بعد أن شعرتْ بدونية التعامل، المدارس الحكومية تغلق أبوابها في وجه طفلها المعاق..و تتخلّى الحكومة عن واجبها ، ويلف سلك الميكرفون بعد أن اختتم “الشو” عن جودة التعليم ، هي من تسعى بين المدارس وترجو قبوله حتى يأخذ فرصته كزملائه الآخرين لكن جميعهم يتعفّفون عن احتضان طفل قدره أنه يمشي على “ووكر”..
لكن في نفس الوقت أعجبتني فروسية الأم، فقد صرخت بشهامة وبشجاعة وبعزّة نفس لا يحسنها أعتى رجال هذا العصر ووضعت يدها على الخلل دون خوف أو وجل..وأحرجت كل من يدّعى أننا في دولة “الإنسان”..عندما تقول له ” هكذا يعامل الإنسان”؟؟…بالأمس استجاب وزير التربية والتعليم لهذه الأم..ماذا عن باقي الأمهات اللاتي يخفن أن يظهرن بفيديو ، ويخشين أن تطالهن أو أزواجهن المسؤولية؟؟..ماذا عن عشرات الطلاب المعاقين حركياً ..هل وجدتم لهم حلاً..أم أننا ما زلنا في عقلية “الحجّة الوحدانية”؟!..

وبيقلك: دولة الانسان!!.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com