هلا بالخميس / رائد عبدالرحمن حجازي

هلا بالخميس

رائد عبدالرحمن حجازي
ارتفعت الشمس في السماء وعطية لا زال يغط في نومه العميق كالعادة , والدته نفد صبرها فهي منذ ساعة تحاول إيقاظه دون فائدة , فصاحت عليه وقالت : ولك يا امشحر الدنيا اظهرت وأنت بعدك نايم . هنا تململ عطية وفتح إحدى عينيه مع بقاء الثانية مغلقة وقال وهو يتثائب : يُما اليوم عطلة وما بيش قراية خليني أشبع نوم
أم عطية : ولك منتا خمجت من كُثر النوم , قوم روح جيب طيرين جاج من عند الكرزم
عطية : أُخرى شوي بروح هسع بلاقي الكرزم مسكر , مهو ما بفتحش المعاطة غير لبعد الظهر
أم عطية : ولك قوم تقوم قيامتك , مهو اليوم الخميس وأخر شهر . هسع ما بظلش عنده ولا طير . وبعدين أبوك اليوم بيجي من العسكرية بدي الحق أسوي له لقمة يوكلها .
نهض عطية ورمى الغطاء خلفه وتمتم قائلاً : أه ما بتطبخيش أكل عجاج غير لما يجي حظرته .
أم عطية : شو بتقول ولك ؟
عطية : ما حتشيتش إشي
أم عطية : طيب أني بورجيك لأبوك بس يجي
عطية : شو كفرنا يعني !
أم عطية : أي روح … روح بلا لعمظة وكثرة حتشي . مانتيش شاطر غير بصك الحتشي . على واه انك شاطر بقرايتك مثل شطارتك بجق السوالف .مش عيب عليك تحتشي على أبوك .
وصل عطية لمحل الجاج وهو يشحط برجليه على الأرض مصدراً صوتاً بسبب حفاية الزنوبا . ووقف أمام أقفاص الدجاج وراح يبحث عن مبتغاه . لكن محمود (الكرزم) صاحب المحل سأله : شو مالك بتلد عالجاجات تقول بتتصبب عليهن ؟ رد عليه عطية وقال : محمود هظول الجاجات خوف الله انهن ازغار , ما بيش عندك أكبر ؟ فيجيبه محمود : بي اقلط جاي لعندي , هاظا القفص الجواني كله جاج وزنه فوق اثنين كيلو . فقال عطية : بدي طيرين وقطعهن أربع قطع وقيدهن عالتفتر .
عاد عطية ومعه قطع الدجاج ولكنه الأن أمام مشكلة لم تكن عالبال . هل يا تُرى أمه ستخبر والده عما تمتم به حينما قال : أه ما بتطبخيش أكل عجاج غير لما يجي حظرته . دخل عطية المنزل ووضع الدجاج في المطبخ وعاد لفرشته والقلق يعتريه وبدأت الوساوس تغزو فكره واحدة تلو الأخرى . وراح يقول في نفسه (أكيد أبوي رح يجي من الجيش معصب ولما أمي تحتشي له عني والله غير يفش كل غُله بيّ , والله غير يقيم قيامتي , أبوي وبعرفه ما عنده يما أرحميني , أو بجوز يحرمني من مصروف الأسبوع وخصوصاً أنه اليوم أخر الشهر وبكون قابظ الراتب ). عاد عطية لفرشته مهموماً ثم قال لنفسه : أحسن إشي خليني أرجع أنام وتا يجي أبوي لوقتها فرج وبحلها الحلّال .
بعد العصر استيقظ عطية على صوت بريموس الكاز وقد وضِعت عليه كنزية كبيرة (تنكة سمنة كبيرة ماركة الكنز) مملؤة بالماء . ورائحة الكاز قد امتزجت برائحة الدجاج المحمر في فرن الصاج . نهض من فرشته وتوجه لباب المنزل حيث كانت أم عطية تنتظر قدوم أبو عطية . أيقن عطية بأن لحظة قدوم والدة باتت قريبة جداً وخصوصاً بعد ما رأى عدة شواهد على ذلك مثل :- ارتداء والدته الشرش على وجهه الأصلي بعدما كانت تلبسه عالمقلوب طيلة أيام الأسبوع , بالإضافة لوضع بعض الكُحل حول عينيها , ولبس سلتة الذهب بمعصمها وخاتم الرباع باصبعها , وارتداء حفاية البلاستيك الحمراء .
مسكين عطية انطبق عليه المثل القائل : (ناس بهناها وناس بعزاها) ولكنه لم ييأس وفتح حوار مع والدته لعله يُنسيها ما قد توعدته بشكواه لوالده . وما هي إلا دقائق وإذ أبو عطية يُطل عليهما من رأس الشارع متعبطاً كرتونة سيرف بين يديه . أم عطية قالت لعطية : قوم فز يُما تناول عن أبوك الكرتونة . عطية استغل هذه الفرصة وهرول بإتجاه والده وأخذ الكرتونة من بين يديه . لتُكمل أم عطية المشهد بقولها : يا هلا ورحب , هاي المي صاخنة , ما بتخلّص حمام إلا صينية الجاج بتكون جاهزة . تبسم أبو عطية ورد عليها قائلاً : تسلمي يا غالية , دايماً مغلبتش معي , والتفت لعطية ممازحاً وسأله : شلونك يا بطل ؟ فأجابه عطية فوراً وقال : الحمد لله يابا مليح , ولكن عيونه كانت تنظر لأمه ليرى هل ما زالت عند وعيدها أم لا بالنسبة للشكوى . لكن أم عطية كانت مبتسمة وكأن لسان حالها يقول لعطية احمد ربك إنه اليوم الخميس وأبوك قابظ الراتب , يالله هالمرة سماح . وقضوا جميعاً سهرة خميس ممتعة وخصوصاً عطية لأنه مزط من العقاب .
تخيلوا لو أن الحكومة تعامل الشعب كمعاملة الأم الرؤوم لأبنائها ….! يا سلااااااام شعور ما بعده شعور . بدكوا الصراحة بالنسبةِ إلي قب شعر بدني . وهلا بالخميس .