” مبدأ ” للبيع / احمد حسن الزعبي

” مبدأ ” للبيع

احمد حسن الزعبي
أقرّ وأعترف بأنني متنصّل من كل المهمات البيتية، بدءاً من إيقاظ الأولاد إلى المدارس وانتهاء بتوزيع ألحفة النوم عليهم ليلاً حسب الرقم الوطني، مروراً بشراء حاجيات الدار التي تنازلت عنها طواعية لأكبر الأولاد والذي يليه من باب تقاسم السلطة..وحتى أكون منصفاً تجاه نفسي المهمة الوحيدة التي ما زلت أحتفظ بها حتى اللحظة هي “تفقد الخزان” يوم الخميس وإغلاق حنفية السلطة.
خروج الأولاد عندي إلى المدارس يشبه إلى حد بعيد تفويج قوافل الحجيج ، أول فوج “قافلة البنين/ مدرسة حكومية ” هؤلاء يستيقظون عند السادسة والنصف صباحاً ، يسحبون درج الجوارب قرب رأسي في تمام السابعة والربع ويغادرون عند السابعة والنصف راجلين إلى مدرستهم ، الفوج الثاني “قافلة البنات /مدرسة حكومية” وهذه تستيقظ عند السادسة وخمس وأربعين دقيقة ، وتسحب درج الجوارب البناتي الساعة السابعة والنصف أي بعد ربع ساعة من سحبة الدرج الأولى وتتم “الكركشة” والبحث عن “بُكل” مناسبة للون السترة وتغادر راجلة مباشرة..وبهذا يصبح نومي متقطعاً وأحلامي يتخللها جوارب و “بُكل ” ومعاطسة بسبب “التمشيط” الصباحي للرؤوس المبتلة..الفوج الثالث ” قافلة بنين ،بنات / روضة خاصة ” وهؤلاء يستيقظون عن السابعة والنصف ،ويسحبون الدرجان معاً بحثاً عن شباحات وجوارب مختلطة وغير متشابهة ويغادرون عند الثامنة والثلث فور قدوم الباص..

قبل يومين ، زمّر باص الروضة ، تأخر الصغيران بالنزول عن الدرج، همّا بالخروج، وإذا بالباص يقلع بعيداً..عادت “لميس” تبكي بصوت مرتفع جداً لأنها لم تلحق برفاقها ، كان “سيستم” الجعير عالٍ بحيث لم أستطع إكمال غفوتي أو تجاهل الصراخ..وكلما حاولت أمها تهدئتها كانت تردّ ببكاء أعلى وبإصرار شديد على الدراسة: “بديش..بدي أقرا بدي أقرا..” قالت لها: بكرة بتروحي…زاد احتجاجها: اليوم اليوم..عجب هم بيقروا وأني لا…ابتسمت في نفسي وأنا تحت اللحاف.. قلت :الحمد لله يا رب، البنت صاحبة مبدأ..تبكي لأجل الدراسة لأجل المعرفة لأجل العلم.. سيكون لها شانٌ عظيمٌ عندما تكبر لا محالة…

أثناء حديث النفس لا أدري كيف خطر لأم العبد أن تطرح عليها الحل لإنهاء البكاء..قالت الأم: توخذي مصروف وتسكتي وبلاش الروضة اليوم؟..انتهى البكاء فجأة وتحوّل إلى قهقهة : قالت “لميس” : آه بوخذ أصلاً بحبّش المدرسة .. قلت لأمها من بعيد..”هكذا تصنعون وزراءكم”…ثم طمرت رأسي من جديد…
صوت درج الجرابات البناتي سُحب على مهل أعادت “لميس” جوارب المدرسة إلى مكانها بعد أن باعت المبدأ بالمصروف…رفعت رأسي قليلاً قلت لبنيّتي الصغيرة: إخص معاليك..
ثم عدت إلى النوم.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com