الكرامة المفقودة / د. هاشم غرايبه

الكرامة المفقودة

د. هاشم غرايبه

اتخذ الكونغرس الأمريكي قرارا بجملة عقوبات بحق السعودية بسبب الجريمة الحمقاء بحق الخاشقجي، أعقب ذلك تصريحات من الإدارة الأمريكية بأهمية العلاقات مع الدولة السعودية.
سهل اكتشاف الدوافع الإبتزازية وراء هذه المناورة المزدوجة، وهي حلب ما تبقى في الضرع الخليجي حتى آخر نقطة.
ربما لم تمر أمتنا بمثل ما تمر به هذه الأيام، فأينما توجهت لا تجد قطرا لا يحكمه الذل والهوان، رغم أنه لا ينقصها الإمكانيات المادية ولا البشرية ولا الموارد الطبيعية، فلماذا تراها مستكينة خانعة!؟.
لقد اختار الله لهذه الأمة أن تكون دارها في مركز العالم وليست في قارة منعزلة ولا هي وراء البحار، بل في مكان يتصل بكل أطراف المعمورة، ولا غنى لأية أمة من أمم الأرض عن التواصل مع الغير إلا من خلالها.
ذلك لأنها مكلفة بحمل رسالته الى الناس جميعا وإيصالها الى العالمين، أي العالم في كل عصر.
ولكي تعيش هذه الأمة بكرامة ومكتفية بذاتها، فقد حباها الله بخيرات ظاهرة وأخرى مختزنة في باطنها، فأما الظاهرة منها فهي خصوبة التربة واعتدال المناخ اللذان يتيحان انتاجا نباتيا وثروة حيوانية بأفضل المواصفات، كما تحقق لها الازدهار التجاري عبر العصور، بسبب الموقع (الجيوستراتيجي) الذي حافظ على أهميته رغم تطور وسائل النقل.
وما إن تطورت إمكانيات الإنسان العلمية والتقنية، حتى بدأ باكتشاف كنوز المصادر الطبيعية من وقود الطاقة والمعادن واستخراجها، ليتبين أن باطن أرض الأمة أيضا هو الأغنى بين كل بقاع الأرض، فرغم أن مساحتها لا تتجاوز 10 % من مساحة العالم، إلا أن حصتها من المصادرعلى اختلاف أنواعها أضعاف المعدل العام العالمي.

ففي الثروة النفطية تستحوذ الدول العربية على أكثر من 55 % من احتياطي النفط العالمي، ومن بين الدول الـ10 صاحبة أكبر احتياطي، هناك خمس دول عربية تمتلك ما مجموعه 713 مليار برميل نفط، هذه الدول هي السعودية والعراق والكويت والإمارات وليبيا.

أما الغاز الطبيعي فيمتلك العالم العربي 27.5 % من احتياطي العالم، وثلاث دول منها هي من أغنى عشرة دول في العالم وهي السعودية والجزائر وقطر.
ورغم أن معدل الهطول المطري السنوي هو 2228مليار م3 أي 2 % من أمطار العالم، إلا أنها تتميز بأنها لا تكون عاصفة أو ثلجية أو إعصارية مدمرة، وهي كافية لو أحسن استغلالها، فالأراضي الصالحة للزراعة تبلغ 30 % من المساحة الإجمالية إلا أنه لا يستغل سوى ربعها والثلاثة أرباع مهملة.
تتوفر الثروات المعدنية جميعها وبكميات وافرة، لكن استغلالها لم يزل بدائيا، ومعظم المستخرج منها يصدر كمادة خام بأثمان بخسة، وأهمها الحديد والمنغنيز والفوسفات.
من هذا الإستعراض الموجز، نلاحظ أنه لا يوجد أي مبرر لأن تخضع هذه الأمة لإملاءات أية أمة مهما كانت قوية متجبرة، فهي قادرة على ان تكفي احتياجاتها بذاتها، بل تملك من سلع وموقع وطبيعة استراتيجية ما يجعلها في موقع الضغط المؤثر على الآخرين.
نعود الى السؤال الذي بدأنا به: لماذا إذاً أمتنا خانعة مستكينة لأعدائها.
السبب الرئيس هو في تمكن أعداء الأمة من تقسيمها لتفسيخها، وفرض قيادات على الأقطار ملتزمة بإدامة الإنقسام واستبدال المنهج العلماني بالإسلامي، لأن الإسلام هو البوتقة الأمثل لتوحيد الأمة.
لم يكن حماس الأنظمة العربية لانتهاج العلمانية (بصورها المختلفة من قومية أو اشتراكية أو السلفية الدينية)، عن قناعة بها أو باعتقادها أنها طريق التقدم والإزدهار، بدليل أن الأمور ظلت تسير الى الأسوأ باستمرار، بل كان الأمر ممانعة للإسلام واستبعادا لنهجه، وأصبح رعب الصحوة الإسلامية يقض مضاجع الأنظمة لأن صراعها معه وجودي، فتطبيقه يعني قطع دابر النظام السياسي العربي الحالي المطبق على الأمة منذ قرن.
من السذاجة توقع أن الأنظمة الحالية أو شركائها من المصابين بعاهة الإسلاموفوبيا سيسمحون بنهضة الأمة.
فلا سبيل إلى ذلك بغير استنهاض عزيمة المؤمنين بخيرية هذه الأمة، والحالمين باستعادة عزتها وكرامتها.
ويكفينا قرن من الزمن قاعدين بانتظار الدبس من وراء النمس.