رائد عبدالرحمن حجازي / انحرق البيدر

رائد عبدالرحمن حجازي 
انحرق البيدر

أهل القرية يتراكضون بإتجاه ساحة البيادر , ومع كل منهم إناء مملوء بالماء , والصيحات تتعالى من هنا وهناك ” بأن البيادر انحرقت ” . فعلاً ما حدث هو نشوب حريق كبير شوهد دُخانه من أقصى القرية . لكن الحريق لم يأتي على كل البيادر , وإنما على بيدر واحد وهو بيدر مفضي (المقحمش) .
تم إخماد الحريق والسيطرة عليه ومنع انتشاره للبيادر المجاورة . صاحب البيدر (مفضي) كان في وضع لا يُحسد عليه , فهذا الموسم بالنسبة له خسارة مركبة , فهو لن يُخزّن شيئاً في كوايره , كما أنه لن يستطيع سَداد ما عليه من ديون من الموسم الماضي .
في المساء وفي مضافة المختار مثقال اجتمع معظم رجال القرية للتباحث فيما جرى باستثناء مفضي الذي امتنع عن الحضور بسبب وضعه النفسي السيء . وكان بداية الحديث للمختار حيث قال : يا جماعة الخير لازم نعرف سبب الحريق اللي صار اليوم ؟ لأنه هالسالفة مش خارطة مشطي ! وهنا فُتح باب التكهنات والتفسيرات .
فمنهم من قال : احتمال أن يكون احداً ما قد رمى عُقب سيجارة على البيدر .
ومنهم من قال : أن المقحمش (مفضي) ليس محبوباً من جميع أهل القرية . والمقصود أن الحريق انتقاماً .
ورأي آخر قال : بأن مجموعة من الصبيان كانوا بالقرب من بيدر المقحمش قبل الحريق بقليل
وبعد التداول والنقاش تم التركيز على الرأي الثالث وهو وجود الصبية , حيث تم جلبهم وكانوا أربعة وهم :-
الأول – محسن (المدلل)حفيد المختار
الثاني – أنور (الأهتر)
الثالث – مرعي (البُعط)
الرابع – جميل (أبو الستشن)
بعد التحقيق معهم والتهديد والوعيد اعترفوا بما فعلوا عند البيدر . فها هو أنور الأهتر يقول : والله يا مختال تان دتدنا نحلد الدلدون (والله يا مختار كان قصدنا نحرق الجردون). فصاح المختار قائلاً : ولك وشّو دخل الجردون بالبيدر ؟ والتفت المختار لحفيده محسن , وبعيون جاحظة وحاجبين منعقدين قال له : اسمع تا احتشيلك قسماً بالله العظيم إن ما حتشيت شو اللي صار لأخللي دماياك حماياك . فاهم ولك ! رد محسن وهو يرتجف خوفاً وقال : والله يا جدي ما كان قصدنا نحرق البيدر ! فقال المختار : لعاد شو كان قصدكوا ؟ ها ولك احتشي ! فقال محسن : هاظ يا جدي واحنا نلعب عند البيادر شفنا جردون زخرق بين القش , وقمنا سوينا له مصيدية بالمتشفية ووقفناها على العصاية وربطنا العصاية بخيط مصيص , وحطيناله طُعم تحت المتشفية ولطيناله . ويومنه صار تحت المتشفية قلبناها عليه . وهنا قال المختار : ها وبعدين شو صار ؟ رد محسن والرجفة لا زالت واضحة على شفتاه وقال : وبعدين أجا جميل جاب شوية كاز ودارهن على الجردون وولع بيه عود كبريت , وقام الجردون صار يركظ وهو مولع وراح تلات بيدر المقحمش .
هنا تنفس الجميع الصعداء خصوصاً بعدما تم كشف سر الحريق . وبعد التباحث والتشاور تم تقدير حجم القمح المحترق في بيدر مفضي , وتغريمه لأولياء أمور الصبية لكي يكون درساً لهم بعدم التهاون والإهمال في المستقبل .
ملاحظة : هذه القصة حدثت في إحدى البلدات , وقد رواها لي أحد الأصدقاء , ونقلتها لكم بتصرف .


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏أشخاص يجلسون‏‏