الأردن بين المحافظين والليبراليين/ نزار حسين راشد

الأردن بين المحافظين والليبراليين

نزار حسين راشد

على ذكر المحافظين والليبراليين، الذين توالوا على احتلال مراكز القرار في الأردن، أذكر وأنه في عهد المحافظين، جاءني أحد المستثمرين شاكياً قال:

– يا اخي تقدمت بطلب لإقامة مصنع لوزارة الصناعة والتجارة، فطلبوا مني انتظار الرد بعد أن ينتهوا من دراسة الجدوى، فهل المستثمر هو الذي يعمل دراسة الجدوى أم الجهة الرسمية؟ وما أدراهم هم بأسرار مهنتي وميزاتها؟

المهم أنه عاد إلي بعد شهر وقال أنهم رفضوه على أساس ان المشروع غيى مجدٍ! ولوّح غاضباُ باوراق في يديه وهو يصرخ محبطاً: أنظر كيف عملوا دراسة الجدوى، ببساطة راجعوا سجلاتهم فوجدوا أن هناك عشرين مشغلاً تنتج الملابس فاستنتجوا إن فتح مصنع ملابس جديد سيكون غير مجدٍ! وولول محتجاً: يا أخي انا بدي أخسر! خليني أخسر، هل هم خايفين على فلوسي؟ هذا عبث! هذا جنون! ثم أردف: كم دار أزياء في أوروبا؟ كل واحدة لها خصوصيتها وزبائنها! لماذا لا يفهمون الميزات التفضيلية؟ لا يفرقون بين الجلد والقماش وبين الشيفون والمخمل وبين المتقن وغير المتقن! لم يطلبوا حتى عينة ليقيموا التشطيب! التشطيب المتقن نصف الصنعة! ثم لمّ اوراقه وخرج غاضباً، عائداً إلى بلده!

في ذلك الزمن كان المحافظون يعتبرون المستثمر لصاً لأنه يحول أرباحه إلى خارج البلد بعد أن يأخذها من جيوب المواطنين! وكانوا يظنون تمليكه الأرض هو تفريط بالتراب الوطني!

ثم خلف من بعدهم خلف على النقيض تماماً هم الليبراليون، فباعوا كل شي ء باسم الخصخصة، فدمروا ما تبقى ومنحوا الإعفاءات والميزات لغير مستحقيها، فكان هؤلاء يغيرون أسماء شركاتهم القديمة ويحصلون على تشجيع استثمار وإعفاء لمدة عسر سنوات من الضرائب، ففتحوا باب التهرب الضريبي وأفقروا الخزينة وجاؤوا بمسثمرين وهميين، حتى إن أحدهم أعفى المياه المعدنية المستوردة لفنادق الخمس نجوم من الرسوم والضرائب بحجة شح المياه في الأردن علماً انه في ذلك الحين كان هناك عشرة مصانع محلية تنتج المياه المعدنية المحلية!

وهكذا انتقلنا من المنع إلى الإباحة. ومن الإفراط إلى التفريط! ولا أريد أن أتحدث هنا عن الفساد وعن أذون الإستيراد للسلع الغذائية والدوائية ولمن تمنح وكيف تصنع الإحتكارات، فهذا غيض من فيض، وهكذا وقع اقتصاد البلد بين فكي كماشة، لم تأخذ اي منهما به رأفة، لا بدافع الفهم ولا بدافع العاطفة الوطنية، وفي كلا الحالين غابت المهنية وحسن التقدير والتقييم الموضوعي للواقع! وفتحت الابواب على وسعها لحصان طروادة البنك الدولي واداته الحادة الجادة صندوق النقد الدولي!