استقالات المسؤولين الكبار في الأردن لا تؤسس لتقليد سياسي راسخ/د.أنيس الخصاونة

استقالات المسؤولين الكبار في الأردن لا تؤسس لتقليد سياسي راسخ

د.أنيس الخصاونة

يتساءل العديد من المهتمين بالشأن السياسي الأردني عما إذا كانت استقالات الوزيرين لينا عناب وعزمي محافظة من الحكومة ستشكل أساسا وقاعدة لتقليد سياسي أردني يقوم من خلاله المسؤول الأول في الوزارة أو المؤسسة بالتنحي معترفا ومتحملا المسؤولية الأدبية والمعنوية عن أزمة أو فضيحة نشأت نتيجة تقصير أو سوء إدارة لمرافق الدولة ومؤسساتها. صحيح أن استقالات الوزيرين المذكورين جاءت في أعقاب فاجعة ألهبت الرأي العام الأردني حيث ذهب ضحيتها أكثر من اثنين وعشرين طالبا وطالبة، لكن هذه الاستقالات لم تكن الأولى من نوعها فقد استقال رئيس الحكومة الأردنية عون الخصاونة قبل سبع سنوات دون حصول فضيحة أو أزمة ،وكانت استقالاته ملفته على المستويين المحلي والإقليمي،  ولكن طبيعة هذه الاستقالة غلب عليها الطابع الاحتجاجي وجاءت على خلفية طبيعة الموضوعات المحددة التي كانت ستبحث في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب. ويسجل تاريخ الحكومات الاردنية بعض الاستقالات لنفر قليل من الوزراء متل المحامي حسين مجلي ومحمد الحموري وحمد الفرحان وسليم الزعبي ولكن هذه الاستقالات كانت في مجملها فردية ولم تصل إلى أن تشكل ظاهرة أو تقليد سياسي.

الحقيقة أن التقليد السياسي الأردني لا يتناول الاستقالات السياسية للوزراء ورؤساء الحكومات او حتى ما دونهم بقدر ما يتناول ظاهرة تعلق وتشبث المسؤولين بمواقعهم وبأي ثمن وحتى الرمق الأخير. كثير من التندر والنكات السياسية والشعبية التي تناولت ارتباط الوزراء بكراسيهم الوزارية وبذل الغالي والرخيص في سبيل البقاء بها ولا نريد ان نذكر بأمثلة تتعلق بالسيد ناصر جودة وزير الخارجية السابق الذي تربع على عرش الوزارة على مدار فترة زمنية تغيرت فيها خمس حكومات ويتكرر الأمر لوزراء آخرون يعرفهم الاردنيون حق المعرفة.

ومع ان كثير من الأردنيين تمنوا  أن تؤسس استقالات الوزيرين الاردنيين لتقليد سياسي مستقبلي بحيث يسهم هذا التقليد في تعزيز روح المسؤولية الأدبية والسياسية للوزير عن أعمال وزارته ،فإننا نعتقد بأن ذلك لا يبدوا أنه سيحدث أو سيمثل سوابق لاستقالات سياسية مستقبلية وذلك للسببين التاليين :أولا، أن تعيين الوزراء واستقالاتهم لا تخضع لأليات سياسية منبثقة من فعاليات حزبية مؤسسية أو من شرعيات جماهيرية تستند لإفرازات انتخابية شعبية بحيث أن الاستقالة تأتي تجسيدا لإحراج سياسي للوزير أمام قوالب الحزب الذي ينتمي له أو أمام القواعد الجماهيرية التي اوصلت الحزب إلى سدة الحكم. فاختيار الوزير ما زال اختيارا شخصيا ويستند إلى ولاءات سياسة واعتبارات أمنية وعشائرية وجهوية وتشترك في تقرير وتجسيد  هذه الاعتبارات مؤسسات متعددة بالإضافة إلى دور هامشي لرئيس الحكومة في انتقاء فريقه الوزاري. فلماذا يستقيل أي وزير إذا كانت الأسباب التي دفعت به الى هذا الموقع الوزاري لا تتعلق بكفاءته وموائمته للعمل ولا تتعلق ايضا بقواعده الشعبية ولا انتماءه الحزبي! نعتقد أن الآلية الحالية لاختيار الوزراء لا تنمي ظاهرة الاستقالة من المنصب الوزاري لا بل على العكس من ذلك فهي تعزز من ظاهرة تعلق الوزير بمقعده الوزاري واستمراره في ممالئة السلطة والمسؤولين للبقاء في موقعه لأنه يستمد شرعيته من هذه السلطة التي أوصلته لسدة موقعه الوزاري.

أما السبب الثاني المتعلق بصعوبة انتشار ظاهرة الاستقالات السياسية في الاردن فهي تتعلق بالشك الكبير الذي يحوم حول ما إذا كانت استقالات الوزيرين المحافظة وعناب وقبلهم رئيس الحكومة السابق عون الخصاونة والوزراء حسين مجلي والحموري  والزعبي استقالات حقيقية أم إقالات ،بمعنى أنه طلب منهم أن يقدموا استقالاتهم؟ أن اعتقد أن مجريات الأحداث كما هو منطق المعطيات يشير إلى أن عشق الأردنيون للمواقع الوزارية وانجذابهم التاريخي لبهرجة المناصب وامتيازاتها الاجتماعية والمادية لا يدعم فرضية أن الوزراء المذكورين قدموا استقالاتهم زهدا بمناصبهم أو انبثاقا من مسؤولياتهم الأدبية والمعنوية أمام المجتمع. المنظومة الثقافية العربية والقاموس السياسي العربي لا يؤشر بأي حال من الأحوال إلى إمكانية انتشار مثل هذه الظاهرة السياسية التي أصبحت مألوفة في الدول الغربية التي تسود بها أعراف سياسية راسخة.