برتقال يافا / رائد عبدالرحمن حجازي

برتقال يافا

عذراً أصدقائي حاولت أن أكتب إسقاطي على هذه الأحداث إلا أنني لم أجد قلم الكوبيا الذي ورثته عن والدي رحمه الله , ثم قررت أن أكتب بقلم الرصاص فوجدته مكسوراً , فانتقلت لقلم الحبر لأتفاجأ بأن مادة الحبر قد جَفت وتحجرت داخله . فلم يبقى أمامي إلا لوحة مفاتيح الكمبيوتر , وما أن هممت بطباعة أول حرف إلا وارتجفت يداي لأفقد السيطرة على أصابعي العشرة فأيقنت بأنني لن أتمكن من إكمال القصة للنهاية .

ها هو أبو عطية يترجل عن دابته ويطرق بعصاته الصغيرة على بوابة دار المختار مثقال طرقات ذات ايقاع موسيقي وكأنها كلمة السر للمختار . يسمع المختار مثقال هذه الطرقات ويقول لزوجته زريفة : هالدقة مهي غريبة عني خوف الله انه ابو عطية . وتحرك مسرعاً وفتح البوابة لتكون المفاجأة السارة له فعلاً انه أبو عطية اليافاوي صديق العمر , تعانقا بحرارة متبادلة وكأن كل واحد منهما قد وجد كنزاً . وبعد السلام قال أبو عطية : ولا أمر عليك يا أبو طايل في بهالخرج شوية بُرتكانات من بيارتي اشتهيتلك ياهن خلي حدا من هالولاد يحدرهن .
المختار : الله يسامحك يا أبو عطية ما بدنا منك غير انك تكون سالم وغانم , على كل حال هديتك مقبولة . ونادى مثقال على حفيده محسن وقال له : هو يا جدي إحدر البردقانات من الخرج وإعرظ مي على الدابة واعلفها يا بعد جدك .
محسن : حاظر يا جدي
أبو عطية : وهاي عُلبة زعوط من إللي بحبه كلبك يا أبو طايل
المختار : أوووووه جخة والله انها أجت بوقتها … هساعيات بوصي لأختك أم طايل تجهزلنا المكمورة وبعد الأكل بنبقى نتنشق أنا وياك من هالزعوطات .
في المساء اجتمعت رجالات القرية عند المختار للترحيب بأبو عطية وتذوق برتقال يافا , وتشعب الحديث من هنا وهناك إلى أن وجه المختار السؤال الأهم لأبو عطية حيث قال : طمني عنكوا وشلون إنتوا وهالغظيبيين (الصهاينة) ؟ فيرد أبو عطية وهو يهز برأسه وقال : والله يا جماعة الخير الوضع صعب وأنا شايفلكوا هالانكليز كل مالهم بشدوا مع اليهود وبذّيكوا علينا عيشتنا , ومثل ما بتعرفوا السلاح عندهم زي الرز ومشان هيك أنا جيتكم مشان المعلوم (سلاح وذخيرة). فيقول رسمي أبو الضباع : أبشر باللي جيت بيه غد من الصبح بنجمعلك إللي بنقدر عليه وتشانك بتتأخر أتشمن يوم بكون أبو عبده الشامي أجا من الشام وجاب معاه المعلوم .فيقول المختار : اتخافوش أبو عطية مطول بظيافتي وما بخلّيه يمد على أهله غير تا نأمنه باللي بده إياه .
يا الله كم هم أصحاب نخوة وشهامة ومثلهم كانوا كُثر , ففي كل قرية كانت هذه القصة تتكرر مع إختلاف بعض التفاصيل ولكن الهدف واحد .