حجب تأشيرات الحج عن نواب وأعيان ووزراء الأردن.. ثناء شعبي واستياء نخبوي

بسام البدارين

حجب تأشيرات الحج عن نواب وأعيان ووزراء الأردن: ثناء شعبي واستياء «نخبوي»

خفايا «التوتر المكتوم» وانحسار ملحوظ في «الشراكة الاستراتيجية» مع السعودية

وجد السفير السعودي النشط في الأردن، الأمير خالد بن فيصل، نفسه مجدداً محاطاً بالمفارقة. فالشارع الشعبي الأردني يشكره بامتنان على قراره عدم منح أعضاء مجلس النواب تأشيرات حج للموسم الحالي نكاية بنواب الأمة.
في المقابل يعاتب باسم النواب، أحدهم هو زيد الفايز، السفير الأمير بقسوة لأنه حجب بقراره دعوات الحج التي كان النواب يوفرونها للضعفاء من الأردنيين في قواعدهم الانتخابية على حد زعمهم.
وأثار إجراء السفارة السعودية الكثير من الجدل والضجة، وتبين لـ«القدس العربي» أن سفارة «الشقيقة الكبرى» في عمان حجبت خدمة التأشيرات الخاصة لموسم الحج هذا العام، ليس فقط عن نواب البرلمان، ولكن أيضاً عن أعضاء مجلس الأعيان وأعضاء مجلس الوزراء، فقد حصلت شخصيات قليلة جداً من القيادات الأردنية على تأشيرة الحج الخاصة وبصفة شخصية.
وبذلك تبدّل سفارة السعودية هنا سلوكاً موروثاً وقديماً، حيث اعتاد نواب البرلمان ورموز الأعيان والوزراء الحصول على تأشيرة الحج لهم ولأفراد في عائلاتهم أو لأصدقائهم وبأعداد كبيرة، دون الخضوع للبروتوكول الذي تعلنه وزارة الأوقاف الأردنية، أو الشروط العامة لنظيرتها السعودية.
وأغضب السفير الأمير بذلك شبكة واسعة من أفراد النخبة الأردنية.
وبعيداً عن الثناء الشعبي والاستنكار النخبوي لإجراء السفارة السعودية، يميل الخبراء الأكثر عمقاً إلى قراءة سياسية ذات دلالة أوسع من المشهد لها علاقة بترجيح استمرار – ليس فقط المناكفات الموسمية التي يسجلها السفير الأمير نفسه في العادة ضد رموز ونخب السلطة في الأردن – ولكن الأهم في سياق تلك المؤشرات عميقة الدلالة التي تثبت بأن العلاقات الأردنية – السعودية في جوهرها وحقيقتها لا تزال متوترة، أو خلافاً للانطباع العام لم تعد كما كانت في الماضي.
ويظهر ذلك في أكثر من موقع وموقف، بالرغم من أن الهيكل القيادي والمرجعي الأردني لا يزال يمنع أي تعبير يمكن أن ينطوي في الإعلام الرسمي أو غيره عن إساءة للسعودية أو تشكيك بمواقفها.
وفي الواقع يحتفظ أنشط السفراء العرب في عمان بلغة مفعمة بالمجاملة ويكثر باسم مملكته السعودية من إطلاق العبارات التضامنية مع الأردن والأردنيين، لكن دون أن يوازي هذه السلسلة من الإنشائيات تقدم ملموس وحقيقي على صعيد التنسيق الاستراتيجي، أو على الأقل على صعيد التفاعل السعودي مع الأزمة المالية والاقتصادية المعقدة للأردن.
المستوى الاستراتيجي في الاتصالات يتقلص وتوقف عن النمو خلف الستارة بين الجانبين وبوضوح.
مسألة التأشيرات، التي تثير لغطاً وسط النخبة المحلية مؤشر إضافي يرتبط بعناصر أخرى في حال تركيبها، تثبت على أقل تعديل أن العلاقات بين المملكتين المتجاورتين لم تعد بالحد الأدنى كما كانت في الماضي. وهو الانطباع المتشكل رغم حرص الرياض على إنكاره وحرص عمان في المقابل على عدم التطرق إليه.
في الباطن السياسي ثمة ما هو أشرس من وجهات النظر المتعاكسة، فالسفير السعودي نفسه يتهم المستوى الأمني بالشغب على بلاده، وبالسماح لنشطاء سياسيين وبرلمانيين وإعلاميين بالإساءة الى العهد السعودي الجديد.
وفي الجانب الأردني العميق تبرز عبارة «مصدره السعودية» في وثائق رسمية غير مخصصة للنشر والإعلام عندما يتعلق الأمر بجزئية لها علاقة بخلفية هجمة الشائعات، التي تشتكي منها القيادة الأردنية على هامش محاولات فهم ظاهرة تفرغ مساحات كبيرة قليلا من فضاء الذباب الإلكتروني لتوجيه السلبية وتسريب شائعات عن الأردن.
يحجب الأردنيون ترفعًا عن الذكر العلني لنتائج تدقيقات تجري في مصادر الشغب الإلكتروني على بلادهم، وثمة ما يدعم في الأفق تقديراً يشير الى أن جهة ما استخبارية سعودية تدعم بالمعلومات والوثائق والتسريبات والشائعات المزورة، ناشطاً أردنياً معارضاً يقيم في مدينة كولورادو الأمريكية ويثير زوبعات وجدلاً عبر سلسلة متنامية من الفبركات، بالتزامن الغامض مع التحرشات المتواصلة التي تظهر من الكاتب الإسرائيلي ايدي كوهين تحديداً ضد الأردن قيادة وحكومة.
وثمة من يتصور من المحللين في الأردن أن السعودية تبالغ في النتيجة في تكبيل الأردن بسلسلة من القيود والاشتراطات على حركته السياسية ومبادراته الدبلوماسية، وبصورة من الصعب إنكارها اليوم. السؤال الحائر في النهاية: حسناً.. لماذا يحصل ذلك وبصورة محددة؟

القدس العربي/ بسام البدارين