من حقنا أن نعرف ؟! / سهير جرادات

من حقنا نحن الشعب معرفة حقيقة ما يجري في بلدنا، وبخاصة أن الأمر لم يعد مسكوتا عنه كما كان سابقا! حيث خرج الحديث من الغرف المغلقة، والأحاديث الثنائية إلى تصريحات علنية، تمثلت بتسريبات سياسيين ومتنفذين، وتداول أخبار عبر تطبيق “الواتساب”، ومواقع التواصل الاجتماعي في غاية الحساسية عن مستقبل نظام الحكم لدينا ، ومن أقواها ما جاء في كلمة النائب مازن القاضي التي القاها تحت قبة البرلمان خلال جلسات منح الثقة للحكومة، كونه صاحب ثقل سياسي ؛ حيث شغل وزيرا للداخلية ، ومديرا لجهاز الأمن العام سابقا، حيث تحدث فيها بصراحة عن ” مخاوف الأردنيين على نظامهم ، بعد أن بدأ الشك والخوف يساورهم بشأن مستقبل نظامهم السياسي الذي أحبوه”، الأمر الذي يدعو إلى التوقف عند هذه المخاوف، والتفكير في أبعادها .

منذ فترة ، وهناك أحاديث غير معلنة رسميا عن تلك المخاوف الأردنية، ظلت طي الكتمان ، وفي داخل الغرف المغلقة حتى الأسبوع الماضي، حيث بات من الواضح أنه تم الطلب والايعاز لشخصيات لها ثقلها السياسي واعطاؤها الضوء الأخضر للحديث بصوت مرتفع عن تلك المخاوف على نظام الحكم .

لماذا تم اختيار هذا التوقيت بالسماح باطلاق العنان للحديث عن تلك المخاوف على نظام الحكم ؟

هل يمكن ربط ذلك بالاستراتيجية الجديدة للشرق الأوسط ، التي أشار اليها التقرير النهائي لمجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط التابعة للمجلس الاطلنطي ، التي تعد تطويرا لمشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي صدر عام 2002 ، والذي يتضمن خطوات واجراءات عملية لاحداث تغيير حقيقي في هذه المنطقة ، وتحديد سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للفترة المقبلة .

وللتذكير فإن أبرز ما جاء في هذه الاستراتيجية، هو تغيير المسار السياسي ، ووضع نهج استراتيجي حديث لقيادات جديدة في المنطقة ، قادرة على تحمل المسؤولية الكاملة عن رسم رؤية ايجابية جديدة لمجتمعاتها بعد أن أصاب الأمريكان التعب من الحروب الدائرة في منطقتنا ، والتي على ما يبدو لا نهايات لها ، على أن يجعل هذا النهج الجديد الشرق أوسط أكثر استقرارا ، والولايات المتحدة والعالم أكثر أمانا في نهاية المطاف.

ومن أبرز بنود هذه الاستراتيجية ايضا، وضع عقدا اجتماعيا عصريا للمنطقة، يتم فيه تحديد العلاقة بين الحكومات ومواطنيها على أساس حكم شامل، وفعال وشفاف، ومسؤول ، بعد أن أصبح العقد الاجتماعي القديم الذي تقدم بموجبه الحكومات الخدمات والأمن، مقابل الحق في الحكم، عرضة للانتقاد في جميع أنحاء المنطقة، حيث لم يعد مقبولا من الحكومات أن توفر الأمن والخدمات لمواطنيها ، بل يجب أن تمنحهم دورا رئيسا في تحديد مستقبلهم، وهذا ما وجهه جلالة الملك في كتاب التكليف السامي لحكومة الرزاز ، وما أشارت إليه الحكومة في كتاب الرد السامي، وطرحت ملامحه في بيان الثقة المقدم لمجلس الأمة .

كما أننا لا ننسى أننا شهدنا اخيرا مؤشرات إلى هذا العقد الجديد ، تتمثل بالانتقال إلى ” الملكية الدسنورية ” ، وذلك من خلال إجراء تعديلات على الدستور تعطي صاحب الولاية مزيدا من الصلاحيات، ومنها الحق في تعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات، ومدير الدرك، وإنهاء خدماتهم.

لقد حمل الاسبوع الماضي كمًّا ” هائلا” من المقالات والأخبار، والتحليلات والتعليقات، الداخلية، و الخارجية ، التي تشير إلى تسريبات عن لقاء رأس الدولة مع الادارة الأمريكية، ورفضها طلب الانتقال السلس للحكم إلى ولي العهد في ظل تنامي تنافس التيارات السياسية ، والمتمثلة بالقوى العظمى التي تتحكم بالمنطقة: وهي تيار جمهوري امريكي، وتيار اماراتي، وتيار ايراني، الى جانب التيار الانجليزي ، حيث يسعى كل منها لدعم شخصية على حساب أخرى ، وهذا الأمر ــ إن صح حسب ما أذن لبعض الساسة تداول الحديث عنه بالعلن في المجالس، وتناقل “البوستات” والمنشورات والأخبار المتعلقة بها – يتطلب توضيحا من قائد التزم مع شعبه على الصدق في الحكم ، بأن يطلعهم على حقيقة الأمر ، أو أن يتم نفي ما يدور من أحاديث حول نقل الحكم جملة وتفصيلا.

ومن باب الحكم المشترك، والرضا بين القيادة والشعب، من حق الشعب أن يطلع على كل الحقائق من خلال خطاب، أو تصريح رسمي حول انتقال الحكم ، وحقيقة حجم المديونية التي يشاع أنها أرقام غير حقيقية ، تم تهويلها عن قصد ولغايات مدروسة تتناسب مع القرارات الدولية التي ستتخذ بحق الاردن.

ومن حق الشعب ان لايترك في حيرة أمام التكهنات والاشاعات والأكاذيب دون افادة تحد من التخمينات المغرضة والارباكات ، والقلق، والتخوفات التي تدور بين أبناء الشعب بعد غياب قائده لمدة 39 يوما ، لغاية تاريخ كتابة هذا المقال .

بالتأكيد ان كتابة هذا المقال ، الذي يعبر عما يدور من أحاديث وتساؤلات بين أبناء الشعب الاردني ، لا يقصد منه خلق نوع من البلبلة والتشكيك والتشويش ، ولا دعم ” الاسرائيليات ” المفبركة – كما تذهب بعض التفسيرات – إنما جاء بعد الحديث عن هذه المخاوف التي انطلقت من تحت قبة البرلمان ( بيت الديمقراطية ) ، اذ لا يجوز لنا نحن الاعلاميين كوننا ” صوت من لاصوت له ” أن لا نتجاهل نقل ما يدور من احاديث تعبر عن خلجات المواطن – الملتزم مع نظامه _ وقلقه على وطنه ، بل الواجب يحتم علينا طرح هذه التخوفات علانية ، وطمأنة المواطن على نظامه بالمطالبة بالمصارحة عن حقيقة الأمر ، حتى نغلق باب التأويلات والاشاعات .

لا ندري لغاية الآن ما ينتظرنا سواء في الاردن أو المنطقة من قرارات ستتخذ في اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ترامب، ونظيره الروسي بوتين خلال الخريف المقبل في الولايات المتحدة، ، بحسب ما أعلنت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض في تغريدة لها عقب قمة هلسنكي التي جمعت الزعيمين ، والذي تغير موعدة الى بداية العام المقبل2019 ، في اقل من 24 ساعة.

ربما ستتخذ في اللقاء المذكور قرارات خطيرة تغير مسار منطقة الشرق الأوسط خاصة .