وأنتَ تصنعُ صيامَك / كامل النصيرات

وأنتَ تصنعُ صيامَك
كامل النصيرات

ستتسحر وأنتَ تلهجُ بالدعاء لله أن يتقبل منك ..ستنامُ قليلاً وأنتَ قد صمّمتَ أن تفتحَ صفحةً جديدةً مع الله هذا الرمضان لأنك اعترفتَ أمام نفسك أنك مليءٌ بالأخطاء و الخطايا..لذا ستضع رأسك على وسادتك وأنتَ مقبلٌ على الحياة الجديدة..
تصحو من نومك..مسطولاً لكنك تتذكر أنه اليوم الأول من الجوع و العطش و إنه اليوم الأول من التوبة كذلك..تجادل نفسك طويلاً هل تذهب للشغل أم ترجع للنوم ؟ تتذكر التوبة و تتذكر معها أغراض اليوم الأول للافطار الأول..فتنتصر على نفسك بالصحيان الكامل..فتفزّ وتلبس أشياءك المعتادة وأنت تقول في قرارتك : اللهم إني صائم.
حين تخرج للشارع ؛ تريد من الجميع أن يعرفوا بصيامك ..تريدهم أن يقولوا لك: ما شاء الله عليك يا بطل الأبطال..! تبدأ زحمة الشوارع..ويبدأ معها (نكد الصيام) و تحميل خلق الله بأنّك صائم..كشرة مرسومة على آخر طراز..تأفف متقطّع يزداد مع ازدياد دقائق الصوم..اتهامك للناس كلّهم بأنهم يقرفوننا في صيامهم وتنسى نفسك بأنك أول القارفين المقرفين..!
يمتلئ يومك بالنميمة كي تسلّي صيامك..تتناول كل الذين لا تحبّهم كما تتناول جرّة فخار و تكسرها ؛ كي تسلّي صيامك..يصلك على موبايلك رسائل جاهزة عن رمضان وعن العارفين وعن تقوى الله ..تقرؤها وتهزّ رأسك وتقول : الله الله ..!! وتواصل بعدها صناعة صيامك المجبول على الكشرة و التأفف و النميمة و الصراخ واللغة الفوقية بتحميل الناس مسؤولية صيامك أو على الأدق مسؤولية جوعك و عطشك وحرمانك..!
ينتهي يومك بالعودة للبيت و عرقك يشرشر منك وأنتَ كاره لتفاصيلك ..الأغراض بيديك..تصرخ بأهلك وأولادك لأنهم تأخروا بمساعدتك ومش شايفيني محمِّل ومزمّل وما حدا جاي يساعدني؟؟ وتختمها بمسبّة من تلك التي تعبّر عن ضيقك من الحياة ..!
تنام ولكنه نوم متقطّع..لأن عينك على الساعة التي تمشي بطيئة كأنها سلحفاة مريضة بالزكام ومعها شلل رباعي و هي بحالة نفاس..
لن ينقذنا من قرفك إلا صوت الله اكبر وقت المغرب..وبعد جنونك في الأكل و الشرب..وبعد كل التفاصيل العصبية التي وضعتنا بها ؛ تحمد الله كثيراً على أن اليوم الأول مضى بسهولة وبدون ما تحس بجوع وعطش ما عدا شوية وجع راس ..!
وتنام الليلة الثانية بعد السحور وأنت تفكيرك بالتوبة أقل بل تبدأ بحساب أن الشهر طويل وطويل جداً..

kamelnsirat@yahoo.com