تبييض الصفحة/ سهير جرادات

تبييض الصفحة
سهير جرادات

أثبتت الحكومة براعتها في انتهاج اسلوب “تبييض صفحتها” لدى المواطن من خلال تزامن اصدارها جملة قرارات بشأن الاحالات على التقاعد ، وإنهاء العقود لعدد من المسؤولين ، وإصدار مجموعة من التعيينات ، مع زيادة رواتب متقاعدي الضمان الاجتماعي.

ومن أكثر القرارات التي أرادت الحكومة من ورائها تبييض صفحتها ، ربط قرار تعيين مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي ، مع قرار إنهاء عقد مديرة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي ، لتُظهر لمشتركي الضمان الذين باتوا قلقين على أموالهم ومدخراتهم؛ حسن نواياها تجاه أموال مؤسسة الضمان بعد بالونات الاختبار ، التي اطلقتها لقياس أثر نيتها برفع سن التقاعد للجنسين ، وإلغاء التقاعد المبكر ، مع خفض معامل المنفعة ، إلى جانب الحديث عن نيات حكومية بـ “التغول” على “تحويشة “عمر المواطن ، بإجبار ديوان التشريع والرأي على اصدار تفسير يجيز لصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي إدارة أمواله دون الرجوع إلى مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي.

أما الاعلان عن منح زيادة على رواتب متقاعدي الضمان ، في اليوم التالي لقرارات التعيينات ، والتي تزامنت مع الاحتفال العالمي بعيد العمال في الأول من أيار ، فجاء لتهدئة النفوس لمن يمثلون الشريحة الأكبر من مستفيدي الضمان أو المستفيدين من التقاعد كورثة،الذين ينتظرون هذه الزيادة المتوقفة منذ ثلاث سنوات، وهي بمثابة “رشوة شعبية”، بغض النظر عن تسميتها الحكومية ، وخطوة استباقية تقطع الطريق على أي حراك نقابي عمالي وحزبي وقوى قومية ويسارية، دعا- بذات يوم الاعلان عن منح الزيادة – إلى وقفة احتجاجية أمام مبنى الضمان الاجتماعي ، رفضا لاستهداف الحكومة لأموال الضمان الاجتماعي .

لم يتوقف الأمر عند ذلك ، بل وصل بالحكومة إلى استغلال انشغال المواطن “بتحويشة العمر” وخوفه عليها ، بإيصال رسائل تستخف به من خلال اصدار قرار رفع أسعار الكهرباء والمحروقات ، لتُثبت الحكومة أنها لا تبحث عن “شعبوية” ، كما أكدت أكثر من مرة على لسان رئيسها ، وفي الوقت ذاته تشدد على نهجها القائم على الاستهتار بعقلية المواطن ، وإيصال رسالة إلى المواطنين مفادها :” لا نكترث بكم ، وافعلوا ما يحلو لكم ” .

من المؤكد أن حكومة الملقي هي امتداد لحكومة النسور، التي رسمت خطوط الجباية من المواطن ، وأي حكومة ما عليها سوى انجاز ما رسم لها من الحكومة التي تسبقها في هذا النهج البعيد عن مصلحة المواطن ، والمتمثل بتغريمه ما لا ذنب له من مديونية وعجز في الميزانية .

أمام كل هذه المعطيات أخذ المواطن ينتظر الاعلان عن اسم المدير الجديد ، ومن يقف خلفه ، ولمن يتبع، والفكر الذي سيترجمه على أرض الواقع ولمصلحة من ، ليرسم السيناريوهات المحتملة ،عبر التحليلات المختلفة والتي تنصب حول تخوفه وتحسبه من المرحلة المقبلة .

في المُحصلة: الثقة مفقودة بين المواطن والحكومة ، ولو أقسمت أغلظ الايمان بأن أموال الضمان الاجتماعي بخير، وأن الاستثمارات التي يقودها صندوق استثمار أموال الضمان تسير بالاتجاه الصحيح ، وحتى لو أقسمت بعدم نيتها رفع سن التقاعد للجنسين، أو أنها لا تفكر بإلغاء التقاعد المبكر، ولن تخفض معامل المنفعة ، لن يأخذ المواطن كل ما تقوم به من “افراط في الحلف” بمحمل الجد ، بل على العكس سيأخذ كل الوعود على النقيض ، فالنفي بالنسبة له تأكيد ، والأيمان التي تطلقها كما تدخل من الأذن اليمنى تخرج سريعا من اليسرى .

سيبقى المواطن في حالة من القلق محدثا نفسه :” لا يوجد دخان بلا نار”.

Jaradat63@yahoo.com