ضريبة الدخل وسوق النحاسين / رائد عبدالرحمن حجازي

ضريبة الدخل وسوق النحاسين

رائد عبدالرحمن حجازي
ضمن زيارتي لإحدى البلدان العربية الشقيقة , دخلت ذات يوم لسوق النحاسين في ذلك البلد , وانبهرت بما رأيت من تحف ومشغولات يدوية تتجلى فيها قمة المهارة والفن , لكن ما لفت نظري آنذاك هو منظر الحِرفيون وهم يجلسون بجانب بعضهم البعض وفي يد كل منهم مطرقته الخاصة يطرق بها على قطعة النحاس ليتم تشكيلها حسب الطلب .
منظر طبيعي لا غبار عليه , وكنت أنظر لفعل كل منهم بإعجاب فيبادلني كل منهم بابتسامة عريضة , مع استطالة في محور العين الافقي وانضغاط للمحور العمودي .

طبعاً الكلام غير مسموح به من الطرفين (الحرفي والسائح) لا لشيء وإنما لتعذر سماع أي منهما للأخر بسبب الأصوات المختلفة لطرقات النحاسين .

اقتنصت فرصة توقف أحدهم عن الطرق وسألته بسرعة فقلت له : الا تزعجكم أصوات الطرقات ؟ فأجابني يابتسامة أيضاً ثم قام بنزع قطعة قطن من إحدى أُذنيه وقال لي : تفضل ماذا كنت تقول ؟ عندها أدركت أنهم لا يسمعون طرقات بعضهم البعض بسبب القطن الموجود في آذانهم , وفوراً قمت بتغيير السؤال لسؤال آخر وقلت له : بكم هذه القطعة ؟
ما ذكرني بهذه الحادثة هو قانون ضريبة الدخل الجديد والمزمع تقديمه للحصول على الصفة القانونية . وربما يكون قد نال الضوء الأخضر للموافقة عليه من الأطراف ذات الصلة , والمسألة أصبحت مسألة وقت لا أكثر .
باختصار شديد ينص القانون الضريبي الجديد على تخفيض قيمة الإعفاء للفرد لتصبح 8000 ألاف دينار بدلاً من 12000 ألف دينار , أي أنه كل شخص راتبه أو دخله يزيد عن 667 دينار شهري سيخضع للضريبة . والمثير للدهشة بأن دراسات احصائية واقتصادية معتمدة من قبل مؤسسات مختصة تقول بأن خط الفقر في الأردن يتجاوز 800 دينار .
المُضحك والمُحزن بنفس الوقت هو كيف ستُحصّل ضريبة من مواطن دخله الشهري(667) دينار مع أن راتبه أقل بكثير من قيمة خط الفقر وهو (800) دينار. مع العلم أن كل من صاغ قانون ضريبة الدخل وحدد قيمة خط الفقر كلاهما يعيش في الأردن . لكن على ما يبدو بأنهم متأثرين بسوق النحاسين .
ملاحظة : أولاً تراوحت الدراسات في تحديد خط الفقر ما بين 800 دينار و 1100 دينار . لكنني أعتمدت الحد الأدنى لأكون أكثر واقعيةً
ثانياً طرقات النحاسين مع أنها مزعجة إلا أنها كانت تتميز بنغمات موسيقية منتظمة .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏2‏ شخصان‏، و‏‏أشخاص يجلسون‏‏‏