لا أحد يملك مفاتيح القدس / نردين أبو نبعة

لا أحد يملك مفاتيح القدس

نردين أبو نبعة

سننشَقُّ سراعاً من قبور المنافي.. سنُبْعثُ من قهر التهجير.. لن يلتفت أحدنا إلى الآخر.. كلٌّ في شغُل فاكهون! كل منا سيتبع عطر مدينته وحكايا جدته..

سيهتزُّ له زهر الجنة ويخضرُّ حلم العودة..

سترقص حبات المطر وهي تدغدغ الأقدامَ العائدة.. ستتجمع خيوط الفجر خيطا خيطا لتغمر المصلين صلاةُ الفتح على أبواب المسجد الأقصى.

العودة حقّ.. والحق فكرةٌ متجذّرة في الرأس.. والفكرة تحتاج إلى حراس..

سنعود.. والأمل عطْر خطواتنا..

سنعود على أجنحة الحُلم والنصر يغزله فتيةٌ صغار ما فتئوا يعلّمون أصحاب العروش أبجديات المواجهة ويتلُون على أسماعهم قصائدَ الشواطئ الحزينة التي تنتظر العائدين بملح الصبر..

لم يضقْ حلمُ العودة بنا.. بل امتدّ واتَّسع من كفٍّ ساخنة لكف وليدةٍ ناعمة تنفض الغبار عن السلاح..

ستعرفنا الحجارة.. والمآذن والأجراس.. والقباب.. سيصافحنا الزيتون والبرتقال.. سيتدلَّى الياسمين قلائد على أعناقنا.. ستعرفنا القدس، فعروقنا النافرة هي امتدادٌ لعروقها المتجذّرة في الأرض.. وسمرتُنا من سُمرة ترابها..

لم يضِقْ حلمُ العودة بنا.. بل امتدّ واتَّسع من كفٍّ ساخنةٍ لكف وليدةٍ ناعمة تنفُض الغبار عن السلاح..

العودة حق ووعد.. الله تكفَّل بهما، إن عمَرتَ قلبَك بالإيمان!

فلا تقفْ وسط الطريق.. لا تلتفت فربما التفاتة تبطئ النصر!

لا تبتئس بما فعله السفهاء منا.. ولا تحسبنّ الأراذل يملكون من أمرنا شيئاً، فالكلمة الأولى للأطهار.. ولطفل (كمّامةِ البصلِ) أمَّا من يتغزَّلون بعيون راحيلَ وقد حملتْ رأسَ يحيى لتُقدّمَه قُرباناً سيجرِفهم الطوفانُ وسيجرِف كل صامت ومهادنٍ .. إن ذلك على الله هيّن.

ليقرّ قلبك.. ولتطمئنّ نفسُك فإن انحناء الغصن لا يعني سقوطه.. وتشقُّقُ البذور لا يعني جفافها.. فهذه تباشير ولادة جديدة.

الزّرّاع وإن قَلُّوا فالبركة في أيديهم والخِصبُ في أراضيهم يجعل القليل كثيرا.. والسّلال ملأى بالغلال وما عليك إلا الاغتراف.

لن يفتح القدس سوى جياد الشعوب.. فالزَّحف الشعبيّ هو رديف المقاومة.. ومن اختار الصمت وانزوى فلن يتذوَّق حلاوة النصر والعودة!

سنعود..

سننسلُّ من شقوق الجرح لنلملم شتات الخريطة..

ففيما كانوا يرسُمون خريطةً جديدةً خطوطها عِبْريّةٌ تتَّجه نحو سيناءَ ها هو مسْك دمائنا يتَّجه صوب بياراتنا وزيتوننا في الداخل.

لا أحد يملك مفاتيح القدس سوى من يملكُ الثمن!

لن يفتح القدسَ سوى جياد الشعوب .. فالزَّحفُ الشعبيُّ هو رديف المقاومة.. ومن اختار الصمتَ وانزوى فلن يتذوَّقَ حلاوة النصِ والعودة!

تتسارع وتيرة التطبيع وتعلو وجوهٌ جديدةٌ كانت تحت الطاولة.. أما الآن فهي تلعب على المكشوف بلا حياءٍ ولا خجل.. يدخلون بيت الطاعة الصهيونيَّ طوعا.. يلوون عُنقَ البندقية صوب الإخوة ويكسرون قامةَ القلم فيما تواصل قامات الأقلام الانحناء ظناً منهم أن هذا طريق النجاة.

لا ترتعشْ لكلِّ ذلك! لا تستبطِئْ النصرَ والمدَدَ .. فكلُّ ذلك لن يؤخِّرَ وعْدَ العَودة!

فطول المحنةِ واشتِدادُ البلاءِ يكشف المستور ويَمِيزُ القمح من الزيوان.

الذي يدير دَفَّة الصراعِ هو طفلُ (كَمّامةِ البصلِ) وهذه الجماهير الزاحفة نحو الحدود.. فقولُها الحقُّ وصوتُها لا يعلو فوقه صوت..

لن يحمل مفتاح النصر والعودة إلا من زرع قلبه يقيناً وحلّق بمخيّلته في سماء القدس وسجد بذاكرته في محرابها.

لن يحمل مفتاح العودة والنصر إلا كفٌّ حملت الحجر وما غَفَلت ولا انكسرت!

من الذي يديرُ دفّة الصراع الآن؟ ليسوا أصحاب العروش.. خسِئوا والله..

الذي يدير دفَّة الصراعِ هو طفل (كَمّامةِ البصلِ) وهذه الجماهيرُ الزاحفة نحو الحدود.. فقولُها الحقُّ وصوتُها لا يعلو فوقه صوت..

وجَعُنا ليس وجعَ الجراح ولا نَزْف الدماء.. ما يوجعُنا أن نُباع ونستباح بيد إخوةٍ لنا..

وجعُنا أن يبيعنا الإخوة بثمن بخْسٍ دراهم معدودةٍ.. وأن يكونوا فينا من الزاهدين!!