عن الشبيحة والغوطة الشـرقية والنفاق الدولي/ ياسر الزعاترة

عن الشبيحة والغوطة الشـرقية والنفاق الدولي
ياسر الزعاترة

بوسع الشبيحة، ومعهم بعض أدعياء الحياد في المشهد السوري أن يحدثونا مليا عن النفاق الدولي الذي يتجلى في الغوطة الشرقية، والذي يخشى برأيهم من سيطرة النظام على أهم جيوب المعارضة في محيط العاصمة دمشق، أكثر من حرصه على المدنيين، ويكرروا حديثهم عن سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها الأمريكان أيضا في الرقة ودير الزور، والتي لم تجد من الإدانة ما وجده هجوم النظام وحلفائه على الغوطة الشرقية. بوسعهم أن يقولوا ذلك، وأكثر منه لتبرير موقفهم المشين من قتل وتهجير المدنيين، وأن يغضوا أبصارهم عن صراخ الأطفال والنساء بسياسة الأرض المحروقة، فضلا عن منع قوافل المساعدات الإنسانية، ودعك هنا من استخدام الكيماوي أو سواه، لا سيما أن النفاق الغربي يتجلى هنا بشكل أوضح، إذ إن قتل الأبرياء بالصواريخ والبراميل المتفجرة ليس أكثر رحمة من قتلهم بالفسفور الأبيض وغاز السارين، بل ربما كان الأخير أفضل للضحايا من تقطيع الأشلاء!! حين يتورط البشر في تبرير قتل الأبرياء، بصرف النظر عن هوية السلاح ونوعيته، فهذا يعني منتهى السقوط الأخلاقي، وحين يحدث ذلك، يعلو صوت السياسة والثارات، وتُداس الأخلاق. وحين لا يجد الساقطون من سبيل للتبرير . من جهتنا، ندين النفاق الغربي في الغوطة الشرقية أكثر منهم، لا سيما حين يركز على السلاح الكيماوي، ويتجاهل أدوات القتل الأخرى. أما الإدانات الدولية، فلم يقل لنا أولئك الشبيحة ما الذي فعلته حقيقة للناس في الغوطة، وهل تحوُّل الأمم المتحدة إلى وكالة أنباء تحدثنا يوميا عن عدد الأبرياء الذين قتلوا، يغير شيئا في الوضع على الأرض؟! ما ينساه كل أولئك القوى الكبرى، وبخاصة دول الغرب؛ لم تختلف على بقاء النظام، وما إداناتها للقتل هنا سوى مداراة لسوءاتها أمام الرأي العام الذي يرى الموت “متلفزا” كل يوم، والذي يحمل بقايا إنسانية، لم يعد لها أدنى وجود عند الشبيحة وأنصار الحلف الإيراني. صحيح أن سوريا تتحوّل الآن إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وبين روسيا، ويحضر الكيان الصهيوني الذي يرفض الوجود الإيراني قرب الحدود، لكن ذلك لم يكن ذنب الشعب الذي ثار طلبا للحرية والكرامة، بل ذنب المجرم القاتل، ومن ورائه القاتل الأكبر (خامنئي)، الذي عجز عن حماية النظام، فاستدعى الروس، فكان أن جاؤوا بموافقة صهيونية (حرص بوتين على أمن الكيان لا يماري فيه سوى جاهل)، وبصمت أمريكي، قناعة بأن سوريا ورطة وليست متكأ لمزيد من النفوذ والتوسع، ولأجل إطالة أمد الحرب لاستنزاف الجميع. سوريا مجزرة القرن التي تواطأ على دماء شعبها الجميع، وكل التفاصيل الأخرى ليست مهمة، بدءا من قصة الإرهاب الذي صنعه النظام بيديه، عبر قرار عسكرة الثورة وإخراج “الجهاديين” من السجون (دفاع الناس عن أنفسهم كان طبيعيا بالتأكيد)، وليس انتهاء بتحوّلها إلى ساحة لصراع دولي، فقد خرج السوريون إلى الشوارع كجزء من الربيع العربي، وفاجأوا العالم أجمع بخروجهم، ومكثوا شهورا يبذلون الدماء في الشوارع قبل أن يطلق أي منهم رصاصة واحدة. كل ذلك سينساه الشبيحة بكل أطيافهم، وسيركزون على تفاصيل جديدة لتبرير سقوطهم الأخلاقي، وسقوط شعاراتهم بين أشلاء الأطفال السوريين، بدءا من الطفل حمزة الخطيب (قبل الرصاص)، وانتهاء بآخر طفل يقضي تحت الأنقاض في الغوطة لحظة كتابة هذه السطور، أو لحظة قراءتها من أي أحد.