يا طالع الشجرة/ يوسف غيشان 

يا طالع الشجرة/

يوسف غيشان

تلك الكائنات الصغيرة لو تمتلك وعيا أو نصف وعي، أو ربع وعي حتى، فإنها وفي غضون سنوات سوف تحتل الكرة الأرضية وتنوب عن البشرية في استغلالها بكل مكوناتها وكائناتها……..تعرفون النمل بالطبع، تعرفون تلك الكائنات النشيطة دائمة الحركة، التي تنقل الأشياء التي تفوقها وزنا وحجما، وتقوم بتخزينها لليوم الأسود. تعرفون مجتمعها المنظم الفاعل.
هناك نوع آخر من النمل، هو نمل الشجر. وهو نوع نشيط وسريع الحركة، يقضي حياته صعودا وهبوطا بين الجذور والأغصان، ويبدو للمراقب وكأنه نوع اخر من نمل التخزين الذي نعرفه على الأرض.
لكن المدقق والمراقب لنمل الشجر سوف يكتشف أن هذا النمل، في صعوده وهبوطه وانتشاره السريع، لا يحمل شيئا على الإطلاق. تصعد النملة بحثا عن الكلأ، لتجد غصنا اخضر او ورقة ذات نسغ، وإن لم تجد تنهش أي عود يابس في طريقها، وتملأ معدتها ثم تعود الى موطنها حول جذر الشجرة.
المشكلة ان النملة الشجرية، لكثرة حركتها وغثبرتها، ما ان تعود الى بيتها، حتى تكتشف انها جاعت مرة ثانية، فتعود الى اعالي الشجرة، فتأكل ثم تعود، ثم تجوع، ما ان تصل الى البيت، فتعود الى الشجرة وهكذا تقضي بقية يومها حتى تهمد وتنام جائعة.
اتحدث هنا عن الكائنات البشرية المشابهة التي لا تمارس الفعل الحقيقي في الحياة، بل أنها تتحرك باستمرار، لكن دون ان تفعل شيئا، عدا اشباع حاجاتها البيولوجية اليومية، دون فعل ودون تخزين ودون تراكم ودون تخطيط للمستقبل، ولليوم الأسود والأحمر وكافة الألوان المعروفة وغير المعروفة.
اتحدث عن كائنات بشرية مشابهة عابرة للتجمعات البشرية ومخترقة للجميع، الحكومات والشعوب والمعارضة. وما يهمني هنا هو المعارضة، على اعتبار ان الكاتب الساخر هو كائن معارض – ليس بالضرورة، بل على الأغلب- لأن السخرية تولد على الدوام من عدم الرضا.
نحن المعارضة: احزابا وحركات ومنظمات مجتمع مدني ورموزا وطنية وأفرادا..كم اتمنى أن ننظر بعين الجدية الى حركتنا الفراغية – في الكثير من الأحيان- التي تشابه حركة نمل الشجر، لعلنا نكون اكثر فعالية.
انا هنا لا اقوم بالنق والتهجم والتهكم علينا….. بل أسعى الى محاولة تصحيح المسار… ومحاولة أن نسعى للوعي بالمشكلة على الأقل…لعل وعسى.
مع التذكير بأن نمل الشجر في النهاية يحكم على نفسه بالموت عندما لا يجد سوى جذور الشجرة التي يقطنها، فيأكلها، ويموت جوعا بموت الشجرة، أو ينتقل الى شجرة اخرى، وهذا ما لا نرضاه لأنفسنا.
وتلولحي يا دالية