في بلادي بات الصخر يبكي/ علي الشريف

في بلادي بات الصخر يبكي/ علي الشريف

غادر بيته مع العصافير يبحث عن رزقه بات يجوب الشوارع بحذاءه المهتري ..كان الجو ماطرا وعاصفا …لم يكن يحميه شي من صقيع البرد الا معطف كان قد احتفظ به من ايام خدمته العسكرية… وطاقية كان اخذها من كازية في احد الشوارع … بينما كانت قدماه لا تجد الدفيء …ولكنه كان مبتسما فلعل الخير الذي ياتي من السماء يحمل له الخير…
صخر* هو اسم صاحب قصتنا.هذا الفتى الذي تقاعد بعد سنوات طوال في خدمة الدولة .. يسكن بالايجار ويتقاضى راتبا لا يكفي اجرة البيت .. هذا الفتى الذي شيبه الفقر قبل موعد الشيب…
هذا الرجل الذي انحنى ظهره مبكرا قبل ان تحنيه الايام وعثرات الزمان ..كان يمشي لا يحمل في جيبه الا ثمن علبة سردين ورغيف خبز فلعله ان داهمه الجوع اشترى واكل وحمد واثنى .. وربما بدل من نوع طعامه فاشترى رغيف خبز بعشرة قروش وبعشرة فلافل وكاسا من الماء بما تبقى …
مر الوقت على صخر كالضيف الثقيل ولكن المطر الذي كان يمر على جسده كان اثقل …لكنه كان صابرا مؤمنا بانه يمتلك قوت يومه. .. فان جاع اشترى واكل …. وان عمل في ذاك اليوم عاد الى اطفاله الاربع بقنينة كاز .. وقليل من الخبز…وربما يفرحم بكيس من الشبس هو بمثابة الامنية لهم….
ضاق رزق ذاك اليوم على صخر… داهمه الجوع فوق جوعه ..ذهب الى الدكانة في ذاك الشارع الغارق بالماء طلب ان يشتري علبة السردين .. لكنه اكتشف ان سعرها زاد..وارتفع فغض النظر
طأطأ راسه ومضى وتوجه نحو المخبز فلعل رغيف من الخبز وقليل من الفلافل يغنيه عن الجوع …لكنه اكتشف ان السعر ارتفع فقرر صخر ان يتحمل الجوع وينتظر لعل الرزق ياتيه فياكل ..لكن الرزق تاخر …ولم ياتي ..
تحامل على نفسه وعلى ثيابه الغارقه بالمطر وعلى الم قدمية اللاتي تيبست من البرد والصقيع ..لكنه بقي صامدا مثل الصخر ….وكلما تحامل … كان الجوع والبرد يفتك به اكثر …
كيف يعود صخر فما يملكه من حطام الدنيا لم يشتري له علبة السردين او حبات الفلافل .. وكيف سيعود لاطفاله بقنينة الكاز ليشعل لهم ما تبقى من حطب بمنقل القهر الذي يسكن قلبه…
تذكر الصغير وهو ينتظر قطعة الحلوى او كيس الشبس ..تذكر الاكبر الذي سياتي ليحمل منه ما احضر… تذكر زوجته التي لا زالت تنتظر ان يعود صخرها …وادرك بعد رحيل اليوم ..انه سيعود فقط بثلاثين قرشا ….وبلا كاز ولا شيبس ولا حلوى..
صمت لبرهة من الزمن واغرورقت عيناه بالدموع ..كا اغرورقت الطرقات بالماء … اختل تفكيره .. كيف سيقضي الاولاد ليلتهم بلا طعام ..بلا دفء .. فقام واشترى الشيبس للاطفال بثلاثين قرش وعاد الى بيته .. استقبله الصغير بابتسامة الحب ولم يدري حجم الالم الذي في قلب ابيه .. هرول الاكبر ليحمل الكيس المليء بالشبس..ولم يك يعلم ان في هذا الكيس كل حطام الدنيا .
وجاءت زوجته فاخذت عن كاهله معطفه الغارق بالماء …ونظرت الى عينيه …والى الدمعه التي كادت تفر من بين الجفون … فطرحت له في قاع الغرفة بطانية ليجلس واعطته اخرى ليتدفا…. ثم قامت فاحضرت بقايا رغيف خبز من الامس .. وقدمت له العشاء.خبز مع قليل من شاي الصباح الذي اسود لونه ثم اشاحت بوجهها عنه بخجل وقالت .. سبقناك في العشاء .. .
كان صخر يدرك ان الزوجة تكذب .. وكان … يعلم ان خبزه هو خبز الامس …وشايه نفسه شاي الصباح رغم اختلاف اللون والطعم فالرائحة تختلف وقليل من الطحلب بات يتشعبط على ما تبقى من الرغيف .
صمت صمت القبور اخرج لقمة الخبز من فمه حين راى ان هناك من ينتظرها من صغار نيام ثم انفجر في البكاء . صخر يبكي وهل يبكي الصخر هو لم يبكي الفقر ..انما لانه ادرك .. ان كل تعب سنوات عمره لم يحضر له قنينة كاز او علبة سردين … او حبات فلافل.ولم يشتري له حذاءا لا يدلف المطر اليه..او رغيف خبز ساخن او قطعة حلوى لاطفال بعمر الورد …كان يبكي الطفولة ..ويبكي الفحولة…
.. اما زوجته فرفعت عيناها الى السماء والدمع يفتك بعيونها .وقالت ..يا رب في بلادي بات الصخر يبكي.
* اسم وهمي لا علاقة له بالواقع