كنانة نيوز – مقالات –
غياب الناخبين في الانتخابات البرلمانية،هل هو مؤشر خطير على ضعف المشاركة السياسية
يوسف عيسى الزعبي
يمكن النظر إلى هذا التحليل باعتباره لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل المعقدة التي تحكم سلوك الناخبين في السياق الأردني. بدلًا من اعتبار ضعف الإقبال مؤشرًا سلبيًا، يمكن فهمه كدلالة على وعي المواطن ورغبته في التغيير من خلال وسائل بديلة غير التصويت في الانتخابات.
وعي المواطن وتعبيره بالمقاطعة:
الافتراض بأن ضعف الإقبال على التصويت ناتج عن يأس أو عدم اهتمام يتجاهل احتمالية أن المواطنين يستخدمون مقاطعة الانتخابات كوسيلة فعّالة للتعبير عن رفضهم للنظام الانتخابي القائم. يمكن اعتبار العزوف عن التصويت نوعًا من الاحتجاج السلمي ضد نظام انتخابي يرونه غير قادر على إحداث التغيير المطلوب. في هذا السياق، يمكن القول إن المواطن الأردني يختار المشاركة في الحياة السياسية بطرق أخرى أكثر فعالية بالنسبة له، مثل الاحتجاجات أو النشاطات المدنية.
المشاركة السياسية لا تقتصر على التصويت:
مفهوم المشاركة السياسية لا يقتصر على التصويت في الانتخابات. في الواقع، الديمقراطية ليست مجرد عملية تصويت، بل هي نظام شامل يعتمد على تفاعل مستمر بين المواطنين والدولة. قد يلجأ المواطنون إلى وسائل أخرى للتعبير عن رأيهم، مثل الحركات الشعبية، حملات المقاطعة،من أجل تغيير الأنظمة الانتخابية. وبالتالي، انخفاض نسبة التصويت قد يشير إلى نضج سياسي ووعي جماعي بأن الديمقراطية لا تتوقف عند صناديق الاقتراع.
مسؤولية الدولة في تعزيز المشاركة:
إلقاء اللوم على المواطنين بسبب عدم مشاركتهم في الانتخابات يغفل دور الحكومة والمؤسسات في تهيئة البيئة المناسبة لانتخابات نزيهة وجاذبة.
يجب على الدولة تحسين الشفافية وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، خصوصًا في ما يتعلق بنزاهة العملية الانتخابية. إذا كان المواطن لا يثق في أن صوته سيُحدث فرقًا بسبب الشكوك حول نزاهة الانتخابات أو عدم وضوح البرامج الانتخابية، فلا يمكن تحميله مسؤولية عزوفه عن المشاركة.
انخفاض نسبة التصويت ليس مؤشرًا بالضرورة على ضعف الديمقراطية:
في الديمقراطيات الراسخة وحتى الناشئة، قد تكون نسب التصويت المنخفضة دلالة على مشاكل أعمق في النظام السياسي، وليس على تراجع الديمقراطية. على سبيل المثال، يمكن أن تعكس هذه النسب عدم رضا المواطنين عن الخيارات السياسية المتاحة أو البرامج الانتخابية المقدمة. في هذا السياق، قد تكون نسب المشاركة المنخفضة دعوة واضحة لإعادة النظر في كيفية تنظيم الانتخابات وفي طبيعة النظام السياسي نفسه الذي تتبعه الحكومات.
عدم توفر بدائل سياسية حقيقية:
في كثير من الأحيان، يشعر المواطن أن البدائل السياسية المتاحة له ليست مجدية أو غير قادرة على تلبية احتياجاته. إذا كانت البرامج الانتخابية غير واقعية أو بعيدة عن اهتمامات المواطنين، فمن الطبيعي أن ينخفض الإقبال على التصويت. إن المواطن يحتاج إلى رؤية مرشحين يقدمون برامج حقيقية ومقنعة قبل أن يشعر بالحماس للمشاركة في الانتخابات. وبالتالي، ضعف المشاركة قد يكون رسالة واضحة بأن الخيارات المطروحة لا ترضي تطلعات الشعب.
فرصة لإصلاح النظام السياسي:
بدلًا من اعتبار ضعف الإقبال تهديدًا، يمكن اعتباره فرصة ذهبية لإصلاح النظام السياسي. عزوف الناخبين يمكن أن يكون دعوة صريحة لإعادة النظر في بنية النظام الانتخابي والسياسي. يجب على الحكومة والمؤسسات اتخاذ خطوات جادة لبناء ثقة جديدة مع المواطنين من خلال تعزيز الشفافية وضمان نزاهة الانتخابات. كذلك، يجب على الأحزاب السياسية تقديم برامج سياسية واضحة وشاملة تعبر عن هموم وتطلعات مختلف شرائح المجتمع.
في النهاية، بدلاً من النظر إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأردنية كإنذار خطير على الديمقراطية، يمكن تفسيرها كإشارة إلى نضج الوعي السياسي للمواطنين ورغبتهم في التعبير بطرق مختلفة وأكثر تأثيرًا.
مما يدعو الحكومة الأردنية مراجعة سياساتها وبذل جهود حقيقية لإصلاح النظام السياسي لضمان تمثيل أوسع وأكثر شفافية. بدلاً من إلقاء اللوم على الناخبين، يجب استغلال هذا الوضع كفرصة لتعزيز الديمقراطية وجعلها أكثر شمولاً وفعالية.
والله من وراء القصد