كنانة نيوز –
من الضحية العربية المقبلة في مشروع خرائط الدم ؟
د. فيصل القاسم
كي لا يتهمنا أحد بأننا صرنا نعتبر «الربيع العربي» مؤامرة وليس ثورات شعبية مستحقة، لا بد قبل أن نخوض في موضوع هذا المقال أن نؤكد للمرة الألف أنه كان هناك أمام الشعوب التي ثارت قبل أكثر من عقد من الزمان ألف سبب وسبب للثورة على الأنظمة الشمولية وطواغيتها، ولا ينكر ذلك سوى «بتوع» الثورات المضادة الذين كانوا خنجراً مسموماً في خاصرة حركات التغيير التي قضوا عليها في مهدها، وحوّلوا نضالات الشعوب إلى وبال عليها وعلى أوطانها. هذه المسلّمات التاريخية ليست مجالاً للمراجعة بأي حال من الأحوال بعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً على الثورات التي اجتاحت مصر وتونس وسوريا ولبنان وليبيا والعراق والجزائر والسودان واليمن وغيره، لكن التسليم بتلك الأطروحة لا يعني مطلقاً الامتناع عن إلقاء الضوء على المخططات الخارجية التي كانت تتربص بتلك الثورات وشعوبها.
لم يعد خافياً على أحد اليوم على ضوء ما نراه في كل تلك البلدان العربية المذكورة أعلاه أن خرائط الدم التي تحدث عنها مخططون إسرائيليون وأمريكيون دون خجل أو وجل لم تكن بأي حال من الأحوال مجرد كلام، بل كانت سيناريوها مدروسة بعناية ومعدة للتنفيذ عاجلاً أو آجلاً، وللأسف فقد كانت ثورات الشعوب العربية المشروعة الجسر الذي عبرت عليه تلك القوى الشيطانية لتنفيذ مخططاتها الدموية التي ظهرت قبل عقود.
ونحن نرى اليوم الانهيار والتفكك الكارثي الحاصل في العديد من البلدان العربية، لا بد أن نتذكر وثيقة «كيفونيم» التي ظهرت عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، وتحدثت بوضوح وإسهاب عن مشروع لتدمير العديد من الدول العربية وتمزيقها إلى كيانات عرقية وطائفية. لقد كان الكثيرون يعتبرون كل من يتحدث عن تلك الوثيقة ويفضحها في نهايات القرن الماضي على أنه مهووس بنظرية المؤامرة، وكانوا يعتبرون المخططات المذكورة في تلك الوثيقة مجرد أوهام وخرافات وأساطير، لكن الذي يحصل اليوم في العديد من البلدان العربية التي ذكرتها الوثيقة يبدو وكأنه تنفيذ حرفي لمقترحات «كيفونيم». وقد جاءت فيما بعد الخرائط الجديدة التي وضعها الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيترز في مقالته الشهير بعنوان «حدود الدم» عام ألفين وستة أي بعد أربعة وعشرين عاماً على صدور «كيفونيم» جاءت لتؤكد وتؤطر كل ما ورد في الوثيقة الإسرائيلية. ولم يخجل الكاتب وقتها من تسمية الأشياء بمسمياتها، فقد وضع خارطة جديدة للشرق الأوسط على أسس عرقية ودينية وطائفية هكذا بكل صراحة. والمرعب في هذا المقال أن «بيترز» يقول «إن هذا التقسيم لن يحدث إلا بعد أن تُسفك دماء مئات الألوف من أبناء تلك المنطقة، ولا بد من تنفيذ ذلك بكل الوسائل المتاحة. والرهيب في الأمر أن كل ما طرحه الجنرال الأمريكي قبل سنوات قليلة من اندلاع الثورات العربية بات اليوم حقيقة تفقأ العيون بوضوحها وفظاعتها، وكأنه ترجمة حرفية لمقال «بيترز» سيئ الصيت.