كنانة نيوز – شؤون ثقافية – هاشم عبدالغني
” سر في المطبخ ” قصة قصيرة للكاتب والقاص منير الجابري- تونس .
أقصوصة : سر في المطبخ
عاد منصور الي حضيرة البناء. بعد غياب امتد لأكثر من اسبوعين ٠ألقي التحية على العمال بآبتسامته المعهودة٠وأثناء ذلك إكتشف وجها جديدا ٠إنهمك العمال في شغلهم وآتجه منصور الي موقعه ٠فهو يشتغل طباخا ٠دخل الي مطبخه الصغير وشرع في تحضير فطور الصباح ٠وظل يفكر في العامل الجديد ذو الملامح السمراء ٠تظهر عليه علامات البؤس
مر الرجل بغتة أمام المطبخ ٠فبدا طويل القامة ٠وجهه يحمل تجاعيد واضحة ٠رأسه يغزوه الشيب ٠تجاوز عمره الستين سنة ٠أنفه عريض والعرق يتصبب من جبينه وهو يحمل كيس الإسمنت على كتفه ٠رغم تموقع العمارة وسط مباني مكتظة تحجب عنها أشعة الشمس ٠يصعد السلم ببطء شديد ٠لأن جسده منهك ٠
جهز منصور الطعام وغادر المطبخ لتوزيعه على رفاقه ٠
سأل أول عامل إعترضه ليتسلم وجبته ٠
:من يكون هذا الرجل المسن؟
:يحكي أنه قادم من إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء مع عائلته ٠٠٠
أنهي منصور توزيع الطعام ثم عاد الي المطبخ ٠
مر الوقت سريعا وتجاوز الساعة الحادية عشرة صباحا
فجأة سمع منصور صجة قوية في الشقة الكائنة في الطابق الرابع ٠صعد مسرعا حتى يكتشف الأمر ٠
وجد العامل المسن يئن لان كيس الإسمنت تدحرج وسقط على قدمه ٠أزاح منصور الكيس بسرعة وتفحص قدمه ٠
لقد أصيبت بكسر حمله على ظهره ونزل به السلم على جناح السرعة وآتجه الي أقرب شاحنة صغيرة قرب العمارة
أخذته الي أقرب مستشفى ٠
ثم إنصرف منصور لاتمام عمله وهو شارد الذهن ٠٠٠
عاد الرجل في اليوم الموالي وهو يتكئ على عصا ٠باشر عمله لكنه لم يستطع. لم تعد صحته تتحمل الأعمال الشاقة ٠
مما إضطر صاحب الحضيرة الي التفكير في تغييره ٠
مضي الشيخ في سبيل حاله وهو يكر في مصير عائلته التي أصبحت بدون (مال) ٠فهو يعاني رغم عمله المتواضع ٠٠٠
أما الأن فسيشتد به أكثر لانه أصبح عاطل عن العمل ٠
كانت الدموع تنحدر على خديه وهو يغادر العمارة
أمام هذا المشهد ألح منصور علي صاحب الحضيرة ان يعويضه بأحد أقاربه ٠فزرع الفرحة على وحهه من جديد
غاب الرجل عن المكان لمدة ساعة ٠ثم عاد ومعه إبنه ٠
تزامن ذلك اليوم مع حلول فصل الشتاء ٠٠٠
كان الشاب يرتدي معطفا فضفاضا ٠يغطي كامل جسده بل حتى شعره لا يظهر ٠بشرته سمراء لامعة. عمره لا يتجاوز السابعة عشرة ٠
طلب منه (الشاف) ان يحمل أكياس الإسمنت الي الطابق الرابع ثم الخامس ٠
حاول مرارا وتكرارا لكنه لم يتحمل ولم يتقبل هذا الدور ٠
مما اجبر صاحب الحضيرة على تعويضه بمنصور ٠٠٠
الذي قبل الموقع الجديد على مضض ٠حمل كيس الإسمنت وصعد السلم مسرعا. فهو شاب لم يتجاوز الواحد والعشرين من عمره. له بنية جسدية قوية ٠فهو خبر أعمال الحضيرة
شعره اشقر. عرف بين زملائه بدعابته وابتسامه التي لاتغيب عن وجهه ٠وهو شاب عاطفي وحساس ٠٠٠
مر اليوم الأول ثم الثاني ٠لقد جلب الشاب الاسمر إهتمام العمال لأنهم إكتشفوا انه طباخ ماهر وله طريقة في تقديم الوجبة أنيقة جدا ٠٠٠
كان متحمسا في عمله وسرعان ما تأقلم مع المطبخ ٠مما آثار غضب منصور واصبحت علاقته بالشاب متوترة جدا ٠٠٠
لانه احيانا يمر بجانبه دون أن يلقى عليه التحية. كأنه يتعمد ذلك حتى يثير غضبه ٠
فيرغمه احيانا على الوقوف في الدرج برهة ليشعل سجارة
فيشتم رائحة عرقه الممتزجة بالدخان
حاول منصور العودة إلى المطبخ الا انه وجد صدا منيعا من العمال وساندهم في ذلك صاحب الحضيرة ٠٠٠
يتساءل في قرارة نفسه :هل النحس يلاحق خطواتي؟ لقد عملت طويلا في المطبخ ولم يشتكي أحدا ٠٠٠
وهاته الايام أصبح طبيخي لا يساوي شيئا ٠٠٠
تعمق منصور كثيرا في علاقته بالشاب الاسمر وكيف تحول في ظرف وجيز الي محل إعجاب من طرف عملة الحضيرة
اخيرا لجأ منصور الي الدبلوماسية وفتح قنوات الحوار مع الشاب قد تمكنه من العودة إلى المطبخ ٠٠٠
لكنه ابي ورفض رفضا قاطعا التواصل معه ٠مستندا على تشجيع العمال له ٠فهم يتهافتون ويتلهفون على طعامه
إشتد الصراع بين الشابين ٠
وظل الشاب الاسمر يرمق منصور بنظراته الحادة في كل جولة يقوم بها لتوزيع الطعام ٠٠٠
مر الاسبوع الاول على حاله ولم يتغير شيء لدي منصور
رغم سعيه الشديد لكي يعود إلى منصبه
في بداية الأسبوع الثاني
تلبدت السماء بالغيوم وهبت رياح قوية في آخر اليوم
حملت الكثبان الرملية عاليا ٠اثر ذلك على سيرورة العمل
في حدود الساعة الرابعة زوالا أوقف الشاف العمل ٠
لملم منصور شتاته وهم بالخروج من العمارة ٠لكنه عرج على المطبخ وجد بابه موصدا