24
كنانة نيوز – قراءة في قصيدة ” لا ضوء مع وريف الضباب ” للشاعر المغربي ” عزالدين بوسريف ” للأديب هاشم خليل عبدالغني
القصيدة ” : لا ضوء مع وريف الضباب “
لا ضوء مع وريف الضباب
فراغ السديم ……هجير حلم يتيم
خرير ذهول سحيم …..غيب تعرى
على شاطئ الصفو ما انكشف
ذات ترتحل في فلاة الغياهب … تستحم بأمواج غيب
في الغيم غبار ذي رهج …. يخصف ماء بنار من جنة النار
هواجس الطين من ضريم في انشطار
دخان الموت تحت الماء ماء اغتباق
من عمى إلى رؤى إلى مدى من فيوض
سر الظل في ظله من جمرة الظن التهب
في صحف الإنخطاف لا ضوء مع وريف الضباب
يجزم ويؤكد الشاعر المغربي ” عزالدين بوسريف ” في قصيدته الرائعة المثقلة بالمعاني العميقة ( لا ضوء مع وريف الضباب ) يؤكد أن العلم( الضوء ) والجهل الممتد الواسع ( الضباب) لا يلتقيان ، فالعلم نور والجهل ظلام ، العِلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدّمها، به تُبنى الأمم وتتقدّم، ويساعد على النّهوض بالأمم المتأخّرة، ويقضي على التخلّف والرّجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور الّتي تؤخّر الأمّة. بالعلم تتطوّر الأمم والمجتمعات وتنهض، وبالجهل تتخلّف وتضمحل …
كما يشير الشاعر “بوسريف ” للنتائج المترتبة على عدم مقاومة الجهل والجمود.. والأخذ بالتطور العلمي والفكري النامي ، من أبرزها ترك المكان خاليا وضبابيا مرتعاً للفكر الهدام ، نتخيل أمانٍ كاذبة لا نظير لها .. و نحلم أحلاماً بعيدة عن الواقع ، تتركنا في شرود قاتم أسود.. يدل على حيرة واضطراب وخوف .. كما يشير الشاعر إلى أن هذه الأفكار الغيبة العبثية تعرت حين خلعت ونزعت ثيابها على شواطئ الفكر المستنير ، عندما انجلت ونفضح أمرها ، كما يصف الشاعر حالة الضياع التي تعيشها هذه الذات الكئيبة المنهزمة ، التي تتنقل وترتحل في ارض مقفرة واسعة شديدة الظلمة من أفكار التخلف والجمود .
” لا ضوء مع وريف الضباب
فراغ السديم
هجير حلم يتيم
خرير ذهول سحيم
غيب تعرى
على شاطئ الصفو ما انكشف
ذات ترتحل في فلاة الغياهب “
يواصل الشاعر الحديث عن الذات المغيبة التائه، التي تغتسل بمياه أفكار بالية ، تتقاذفها بالتتابع أمواج فكر غيبي جامد ، يشوبه لون رمادي فيه (ما دق من السحاب الرقيق ) كأنه غبار يلوث ويسمم الأجواء الفكرية .
هذه الفئة من الناس تخلط بين الأمور بطريقة عشوائية فهم كمن ضم وخلط النار بالماء ، رغم أنهما لا يجتمعان والمقصود عدم الانخداع بظواهر الأشياء .
كل ما يتصوّره الإنسان أو يخطر بباله مِنْ أَفْكَارٍ أَوْ صُوَرٍ نَتِيجَةَ قَلَقٍ أَوْ حَيْرَةٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ شَيْءٍ مَّا ، كحريق انقسم لقسمين ، دلالة على الحيرة والارتباك .
دائما الأفكار الجامدة والمحنطة تحمل في ثناياها ماء الحياة المتجدد فكراً صالحاً للحياة … وفي نقلة نوعية عبر مراحل متعددة ، من مرحلة التعمية والتعتيم ( الانغلاق ) إلى مرحلة التفكير أي التأمل بالقلب والعين إلى أن يبلغ الأمر غايته ومنتهاه بفيض الخير الغزير الكثير .
وبفلسفة خاصة بالشاعر ( بوسريف ) يشير أن سر الأشياء التي يستظل بها يكمن في الأشياء ذاتها ، فمن جمر الشك الملتهبة اشتعلت النار وسط الظلمةُ الشديدة ، في صحف الاستلاب التي تتقن التزوير، وتأتي بالكلمة على غير حقيقتها وصحتها ففي هذه الصحف صاحبة ( الفكر الضبابي ) لا أمل ممتد وواسع في التغير والتقدم والتخلص من رداءة الماضي .
” تستحم بأمواج غيب
في الغيم غبار ذي رهج
يخصف ماء بنار من جنة النار
هواجس الطين من ضريم في انشطار
دخان الموت تحت الماء ماء اغتباق
من عمى إلى رؤى إلى مدى من فيوض
سر الظل في ظله من جمرة الظن التهب
في صحف الإنخطاف لا ضوء مع وريف الضباب “.
وأخيراً … أشير لما قاله الناقد المغربي العربي الحميدي عن الشاعر ” بوسريف ” (( إن كثيراً من قصائد عز الدين بوسريف تحتاج قراءتها إلى معرفة، ليس بمتطلبات اللغة ومعرفة الأوزان والقوافي بل إلى معارف متشعبة. لأنه لم يعد يكتفي بالنمطية السائدة في أساليب التعبير.))
لقد أصبح الغموض في القصيدة ناتج عن تعدد المعاني والدلالات وتقاطعاتها. فهو توالد لا ينتهي حتى في نهايتها.