رسائل محذوفة .. / أحمد حسن الزعبي

رسائل محذوفة ..

أحمد حسن الزعبي

سبعٌ عجاف يا أمي، لم يغث فيهن قلمي..سبعٌ عجاف وطائر الموت يأكلُ خبز حلمي..أفتني متى أُشفى من هذا الأنين ، كيف أنسى عدّ السنين والحزن خصمي..
**
كيف أرتق روحي المثقوبة بغيابك ، وكل طفولتي مجرّد خيوط في ثيابك ، كيف أرتق روحي، وابتسامتك الصعبة وقت المرض تداهمني كلما حلّ حزيران ، أذكر عينيك الغائرتين من التعب ، أرى وذمات الإبر الطبية ، أرى أنابيب المغذي في وريدك ، وأذكر ورقة مواعيدك ، كيف أرتق روحي المثقوبة بغيابك ،وأنا لم أستطع التقاط كلماتك الأخيرة ، كل ما أذكره أن “الحمد لله” كانت سلاحك الأخير وكانت الذخيرة…
الخامس من حزيران قاس ومؤلم يا أمي ، كان للشبابيك في المستشفى صفير غريب ، و أجهزة المراقبة لا تكفّ عن التنبيه المريب ، لم أكن أعرف أن الموت يقف على بعد خطوات عنك، لم أكن أعرف أن الموت يجرؤ على الاقتراب منك…كيف يقترب من قلب يملك كل هذا الحب..كيف يجرؤ أن يقترب من صوت دافئ كان يمشّطني ويغنّي ، و”يهيجن” للقمح في الغربال فيصطف بكل طاعة وامتثال، كيف يقترب الموت من مخزون الحكاية من ضحكة سنّ الذهب ، من سيدّة تحب الحياة بكل ما أوتيت من صخب..كيف للموت أن ينهي مسيرة من “جبَست” بيوت الطين ،ووجّهت المزاريب ذات شتاء ، وزرعت أحواض الميرمية على مداخل البيت ، وكل ثروتها كوارة طحين وجرّة زيت ، كيف يجرؤ الموت من سيدّة كانت تفرح عندما بنجح أحد أولادها برسم الحرف ،تراقب بزهو قلم الرصاص وهو يتعرّج فوق الدفتر..وتبتهج كلما رسم كوخ أو تلوّن ربيع أخضر..كيف للموت أن يقترب من قلب يحمل كل هذا الحب وأكثر..
أنا مجنون يا أمي..والله مجنون..كلما وصلتني رسائل محذوفة من رقم غريب ، أقول ربما تكون أمي قد اشتاقت لي فأرسلتها لي عند المغيب ، ربما استحدثوا للموت خطوط مجانية ، أو سمحوا للحبيب أن يطمئنَ الحبيب..كلما وصلتني رسائل محذوفة من رقم غريب..أخالها منك… أنا متأكد أنها منك..هذا ليس هذيان…فأمي التي تذكر تفاصيل تفاصيلي..لن يحجبها يوماً عني النسيان..