اللجنةُ الوطنيةُ الملكيةُ للمكتبةِ المدرسيةِ و نظامُ الحصةِ المستضيفة/بقلم المشرف التربوي أحمد محمد أمين
كنانة نيوز – النظرة(1): اللجنةُ الوطنيةُ الملكيةُ للمكتبةِ المدرسيةِ و نظامُ الحصةِ المستضيفة.
المشرف التربوي:أحمد محمد أمين
(نظراتٌ على التعليمِ في الأردن، رؤيةٌ من الداخل و دعوةٌ إلى الإصلاح)
هذا مقترحٌ أُقدِّمه إلى جلالة الملكة رانيا و دعوةٌ إلى جلالتها بالسعي إلى إصلاح حال المكتبة المدرسية المعطلة منذ إنشائها، و ذلك بإنشاء لجنةٍ وطنيةٍ ملكيةٍ للمكتبة المدرسية واستحداثِ نظام الحصة المستضيفة، أما بعد..
هذه سلسلةٌ من النظرات على التعليم في الأردن، عسى أن يكونَ أفضل و رؤيةٌ رأيتُها من داخل البُنيانِ التعليمي عن أكثرَ من عشرينَ عامًا معلمًا ومشرفًا وما زلتُ، و دعوةٌ إلى إصلاحِ فَجَواتٍ في النظام التعليمي، فجواتٍ مرَّت عليها السُنون و هي على حالها، كأنها ما لها مِن سَد، أو كأنَّ مَن مرَّ عليها مِن الخَلْقِ لم يَرَها أو هو رَآها ثم عنها مضى.
ثم إني لأَحْسَبُ أنَّ لهذه النظراتِ قيمتين، الأولى أنها الآنَ دعوةٌ الى الإصلاح، و الثانيةُ أنّ لها في المستقبل قيمةً تاريخية، فإنّ هذه النظرات سجلٌ تاريخي بأسلوب الوثيقة الشخصية من داخل البُنيان التعليمي- و هي خلافُ الوثيقةِ الرسمية- سجلٌ على جزءٍ من المشهد التعليمي في الأردن في الخُمس الأول من القرن الحادي والعشرين، ولعل من الناسِ اليومَ مَن لن يُقدِّرَ هذه القيمة، ولكنها ستكون كذلك إن شاء الله، وخاصةً أني لا أعلمُ أحدًا كتبَ مثلَ هذه الشهاداتِ الشخصيةِ عن هذه البُرهةِ من تاريخ المشهد التعليمي في الأردن، بل لعل هذا الضربَ من الوثائق الشخصية الشاهدةِ على المشهد التعليمي قليلٌ في تاريخ الأردن. وبالله التوفيق.
النظرة الأولى: اللجنةُ الوطنيةُ الملكيةُ للمكتبةِ المدرسيةِ و نظامُ الحصةِ المستضيفة.
إذا نظرنا في النظام التعليمي في الأردن فلن نكون بعيدين عن الحقيقة إذا قلنا إنه نظامٌ لا ينتج إلا المعلمين فقط، و أما من تخطى حيِّزَ التعليم الى فضاء البحث و الإبداع ، فإنما فعل هذا بقدرته الذاتية لا بقوة النظام التعليمي، وهذا ما تظهره الأرقام، فعدد المتخصصين بتخصصات العلوم المختلفة بالدرجات الجامعية الثلاث في وزارة التربية والتعليم يزيدون على مئة ألف، بينما لا يزيد عدد الحاصلين على رتبة معلمٍ خبير إلا على بعضِ مئات،والعائق الرئيس لتدني النسبة الكبير هو اشتراطُ رتبة المعلم الخبير أن يكون المتقدمُ لها قد نشر بحثين أو كتابين.
و للطرافة، فإذا كانت غايةُ النظام التعليمي في الأردن هي إنتاج المعلمين فقط، فإن الدولة تستطيع توفير مئات الملايين من الدنانير، وذلك بتعيينِ كلِ من نجح في الصف الثاني عشر بمعدلٍ عالٍ معلمًا مباشرةً، و هو قادرٌ على تدريسِ ذلك الكتاب الذي نجح فيه بتفوُّق و تدريسِ كُتبِ الصفوف التي دونه..
إن الضعفَ عن كتابة كتابٍ أو بحثٍ مردُّه أن المَعْنِيَّ بالكتابة ألِفَ ثقافةَ اكتسابِ المعرفة من الكتابِ المدرسي المقرر إذ كان طالبًا في المدرسة، و لم يألف ثقافةَ اكتساب المعرفة من كتاب المكتبة المدرسية، و له عذرٌ في هذا؛ فالمكتبةُ المدرسية بتعريفها الحق لا وجودَ لها في مدارسنا إلى الآن. ثم إن عدمَ أُلفة اكتساب المعرفة من المكتبة قد انتقل مع ذلك الطالبِ إلى الجامعة، فأمسى لا يألفُ المكتبةَ الجامعية إلا قليلا، و بات يألف أن يطلب إلى الأستاذ الجامعي أن يقرر على الشعبة كتابًا يُرجَعُ إليه وحدَه. و من ثَمَّ فإذا كان الطالبُ – لأنه لم يألف ذلك- يتثاقلُ من السعي إلى المكتبة لاكتساب المعرفة المكتشَفَةِ، فكيف إذن سندعوه إلى الجُرأةِ العلميةِ ليكتشفَ معرفة جديدة؟!
إنّ إصلاح المكتبة المدرسية يمرُّ بمرحلتين:الأولى: إنشاءُ لجنةٍ وطنية ملكية للمكتبة المدرسية. والثانية: استحداثُ نظام الحصة المُستضيفة.
المرحلة الأولى: إنشاءُ لجنةٍ وطنيةٍ ملكيةٍ للمكتبةِ المدرسيةِ.
أ- ما الفرقُ بين مكتبةٍ مدرسيةٍ و مكتبةٍ في مدرسة؟
المكتبة المدرسية: هي مجموعةٌ كبيرة من الكتب التعليمية في معارفَ شتى ضمن المنهاج ( والمنهاج غير الكتاب المدرسي المقرر) أُلِّفَتْ بأسلوب مناسب للفئة العمرية دون الثامنة عشرة.
لكن الناظر إلى ما يُعرف بالمدرسة بالمكتبة سيرى مكتبةً جامعيةً مصغرة الحجم، إذ سيرى في هذه المكتبة المفتراة على طلاب المدارس باسم ( المكتبة المدرسية) سيرى نسخًا من كتب الطب والهندسات المختلفة و الفيزياء والكيمياء والأحياء والأدب والنقد والتاريخ والفقه والتفسير والقانون والجغرافيا وغير ذلك، نسخًا من تلك الكتب المؤلفة للطلاب الجامعيين وأصحاب الاختصاصات. إن هذا التناقض بين المكتبة المدرسية الحقيقية و واقع الحال القائم في المدارس يقتضي منا أن نُميز بين مفهومين هما: مفهومُ المكتبة المدرسية ( كما سبق تعريفها آنفًا) ومفهومُ مكتبةٍ في مدرسة(وهي مكتبةٌ جامعيةٌ مصغرةُ الحجم). إِنَّ المَدَارِسَ وطُلابَهَا يُرِيدُونَ مَكْتَبَةً مَدْرَسِيَّةً لا مَكْتَبَةً فِي مَدْرَسَةِ.
ب- اللجنةُ الوطنية الملكية للمكتبة المدرسية.
إنني أعلمُ و أنا الناظرُ من داخلِ البُنيان التعليمي أننا نحن العاملين في وِزارة التربية والتعليم نملكُ تجارِبَ وخبرةً في إنتاجِ الكتابِ المدرسي المقرر، لكننا لا نملكُ تجرِبةً و لا خبرةً في إنتاج كتاب المكتبة المدرسية.إن الجهة الحكومية التي تمتلك التجرِبة و الخبرة في إنتاج كتاب المكتبة المدرسية هي وزارة الثقافة، وتجربتُها الموسومة بمكتبة الأُسرة منذ أعوام كثيرة شاهدٌ على تجربتها وخبرتها، كذلك فإن قدرةَ وزارة الثقافة على التواصل مع القطاع الخاص من دُور نشرٍ مُختصةٍ بكتبِ الأطفال ومؤسساتٍ ثقافيةٍ خاصةٍ محليةٍ ودوليةٍ أكبرُ من قدرة وزارة التربية و التعليم. ومن ثَمَّ فالدعوةُ المقترَحة أن تتشكلَ لجنةٌ وطنيةٌ مشتركةٌ من وزارة الثقافة و وزارة التربية و التعليم والقطاع الخاص و أن تكون اللجنة برئاسة وزارة الثقافة لخبرتها في إنتاج الكتاب الثقافي للطفل من أجل إنتاجِ سلاسلَ من كُتُبِ المكتبة المدرسية.
ج- أمرانِ واجبان في كتاب المكتبة المدرسية.
١- لمَّا كان كتابُ المكتبة المدرسية كتابًا رديفًا للكتاب المدرسي المقررِ من حيثُ انتماؤهما لمنهاجِ المملكةِ الأردنية الهاشمية و من حيث كونُهما كتابين تعليميَّين مُوجَّهين لطلاب المدرسة فقد وجب أن يكونَ اختيارُهما وطباعتُهما وتوزيعُهما شأنًا حكوميًّا.
٢- إلغاء آلية ( لا مانع من اقتناء الكتب الآتية)، إذ غالبًا جدًا ما تكون تلك الكتبُ كتبًا تخصُّصيةً و مؤلفةً لغير الفئة العمرية التي دون الثامنةَ عشرة.
د- صناعةُ مكتبةٍ مدرسيةٍ حقيقية.
و من ثَمَّ فهذه دعوةٌ للجنة المُقترَحة بِاسْمِ (اللجنةِ الوطنية الملكية للمكتبة المدرسية) للشروع بالمرحلة الأولى من أجل صناعة مكتبةٍ مدرسيةٍ حقيقيةٍ بديلةٍ عن المكتبة الجامعيةِ المصغرةِ الموجودةِ في المدارس، و أن لا تقلَّ المرحلة الأولى عن (1000) عنوانٍ في معارف شتى، و أن يُطبع من كل عنوان(10000) نسخةٍ لتوزع نسختان من كل عنوان على كل مكتبة مدرسية.
ولعل الناظرَ المتعجلَ يستعظمُ طباعةَ عشرةِ ملايينِ نسخةٍ، ولكن الناظرَ المتأني يعلم أن هذا ليس بعددٍ كبير، فالحكومةُ الأردنية تطبع في كل عام ما لا يقل عن أربعينَ مليونِ كتابٍ مدرسي مقرر ( عددُ الطلاب مضروبٌ بعدد كُتب الفصلين)، أي إن الحكومة الأردنية قد طبعت في العشرين سنة الماضية ما لا يقل عن ثمانيمئةِ مليونِ كتابٍ مدرسي!، وستطبع أكثرَ من مليار كتابٍ مدرسي في العشرين سنة القادمة!، بل إن الحكومة الأردنية في هذا العام – بسبب جائحة الوباء التاجي- قد طبعت ملايينَ الكتب التي سُميت بالمَلازم، وذلك لتدريسها لمدة أسبوعين فقط من أجل تجسير الفجوة بين ما انقطع من العامين الدراسيين!. و من ثَمَّ فطباعةُ عشرة ملايينِ نسخةٍ موزعةً على (1000) عنوان من أجل اقتنائها في المكتبة المدرسية لأعوام كثيرة قد تبلغ (20) سنة أو أكثر ليست بأمرٍ مستعظَمٍ و لا مُكْلِفٍ.
هـ- ماذا نصنع بمئات الآلاف من الكتب الجامعية التخصصية المرصوفة على رفوف المكتبات المدرسية؟
فالجواب ستُوَرَّدُ تلك الكتبُ إلى وزارة الثقافة، فمنها يُهدى إلى المكتبات الجامعية والمكتبات العامة، ومنها يُجعل في جناح خاص في مكتبة الأسرة ليوزع على المجتمع. وقد كنتُ رأيتُ في مكتبة مدرسية للبنات كتابًا مصورًا في الطب ومترجمًا الى العربية يقع في بضعة مجلداتٍ أنيقةِ الطبع من ذاتِ الحجم الكبير، وتزيد صفحاتُ مجلداته على بضعة آلاف صفحة، فعجبتُ ما يصنعُ هذا الكتابُ في مكتبةٍ مدرسيةٍ لأطفال!، إنما هذا كتابٌ محلُه كليةُ الطب.
المرحلة الثانية: استحداثُ نظام الحصة المُستضيفة للمكتبةِ المدرسية.
لقد كان ربطُ المكتبة المدرسية بحصة اللغة العربية حصرًا خطأً كبيرًا جدًا وقعت به وزارة التربية والتعليم، فالمكتبة المدرسيةُ ليست مكتبةً في معارف اللغة العربية فقط، ولكنها مكتبة في معارف العلوم كلِّها، ومن ثَمَّ فجميعُ المعلمين بكل اختصاصاتهم هم شركاءُ في المكتبة المدرسية، ولذا لا بد من وضع نظام جديد يُحقق هذه الغاية لتأليف أطفالِنا الطلابِ بالمكتبة المدرسية الحقيقية، و لأجل هذه الغاية جاء اقتراحُ نظام الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية.
أ- نظام الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية.
1- تُعيَّن لكل شعبة حصةٌ مكتبية أو حصَّتان في كل شهر، (يتحدد عدد الحصص المكتبية وفقًا لعدد الشُّعب).
2- يُعِدُّ مدير المدرسة مع أمين المكتبة جدولًا في كل شهر للحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية يتضمن حصةً واحدة على الأقل لكل شعبة في كل شهر .
3- تتغير الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية لكل شعبة في كل شهر؛ و ذلك لتعزيز ثقافةٍ، شعارُها (المكتبةُ المدرسية مكتبةٌ لجميع المعارف من العلوم الإنسانية إلى العلومِ الصِّرْفَةِ)، وللخروج من حالة رفض بعض المعلمين من أن تكون حصته هي الحصة المستضيفة. فيما يأتى مثالٌ جُزئيٌّ لجدول الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية.
جدول الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية لشهر…….
الصف
اليوم والتاريخ
ترتيب الحصة
الحصة المستضيفة
المعلم المساند لأمين المكتبة
الرابع أ
الأحد ../..
الثانية
الرياضيات
معلم الحصة المستضيفة
الرابع ب
الإثنين ../..
الأولى
اللغة العربية
معلم الحصة المستضيفة
الخامس
الإثنين ../..
الثالثة
العلوم
معلم الحصة المستضيفة
4- يُساند معلمُ الحصة المستضيفة أمينَ المكتبة في إدارة الحصة المكتبية من حيث مناقشةُ الطلاب في اختياراتهم وقراءاتهم، ويشجعانهم على استعارة الكتب من غير إلزام، ويذكرانهم بآداب استعارة الكتاب.
5- آلية تنفيذ الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية لها طريقتان:
*الأولى: إذا كانت مساحة المكتبة المدرسية كافية لعدد الطلاب فينتقل طلاب الحصة المستضيفة مع معلمهم إلى المكتبة المدرسية بحضور أمين المكتبة.
*الثانية: إذا كانت مساحة المكتبة المدرسية غير كافية فتنتقل المكتبة المدرسية إلى الغرفة الصفية، وذلك بأن يختار أمينُ المكتبة و معلمُ الحصة المستضيفة مجموعةً من كتب المكتبة المدرسية على أن تكون أكثرَ من عدد الطلاب في الصف لمنحهم حريةَ اختيار الكتاب.
ب- تنبيهان على الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية.
*الأول: قد يبدي بعض السادةِ من أمناء المكتبات عدمَ رغبةِ بهذا النظام، وليس ذلك تكاسلًا منهم وميلًا الى الدِّعة، وإنما لأنهم لم يروا مكتبة مدرسية حقيقية في مدارسهم إلى الآن، فما هو موجودٌ في المدارس هو مكتباتٌ جامعيةٌ مصغرة، و لو رأى أمناءُ المكتباتِ المكتبةَ المدرسيةَ الحقيقيةَ في مدارسهم لسعَوا بأنفسِهم إلى حث المعلمين ليأتوا بطلابهم إلى المكتبة.
*الثاني: قد يرى بعض السادة المعلمين أن الحصة المستضيفة للمكتبة المدرسية ستكون مضيعةً (لحصة عِلمٍ تخصصية) على الطالب، و هذا وهمٌ؛ إذ ليس من غاية النظام التعليمي المدرسي إنشاءُ طالبٍ متخصص في علم من العلوم، وإنما تلك غاية التعليمي الجامعي. فإنْ قَلَّ في وطنِنا الباحثون المتخصصون في العلومِ الصِرْفَةِ والعلومِ الإنسانية – و هم قليل- فَلَنْ يكون هذا من فَواتِ (حصةِ علمٍ تخصصيةٍ) في المدرسة، و لكن سيكون الخطأُ خطأَ التعليم الجامعي الذي هو تعليمٌ تخصصي، أما نحن في التعليم المدرسي فغايتُنا تعليمُ المُقَدِّماتِ، ومن كبرى هذه المُقَدِّماتِ أن نُعلِّمَ طلابَنا أن العلومَ كلَّ العلومِ ليست في هذه الكتبِ التي تسمى بالمقررات، ولكنَّ العلومَ كلَّ العلومِ هي هناك في تلك الكتبِ المُنَضَّدَةِ على رفوف المكتبات