التلوث الفكري / هبــــة حسين عبابنة

التلوث الفكري
هبــــة حسين عبابنة
الزمن الحالي يجبر البشريّة على التفكير المكثف المطوَّل في أدَقِّ تفاصيل الحياة؛ لما يتلقاه من أعمال وأحداث مفاجئة وتغيُّرات صادمة، كالأحوال الأمنية والسياسيّة، والحروب الطائفية المبطّنة والمشاكل المجتمعيّة والأُسريّة والعلاقات الودّيّة بين الأفراد التي نكاد نطلق على أنَّ معظمها قائمٌ على المصلحة والنفاق الاجتماعيّ، مما يولّد هاجساً من القلق والتوتر والضغوط النفسيّة المتراكمة، والتي بدورها تحفِّز ظهور اختلاف الآراء والمعتقدات وسهولة تغييرها وتبديلها إثْرَ حالةٍ من عدم الثقة بالآخرين وعدم التمسك بالمبادئ الأصيلة.
 
وتتنوع محطات التفكير، فَمِنَ الناس من يشغله التفكير السياسيّ الذي يحتل السِّعة الكبرى من الأذهان في الوقت الحالي، ومنهم من يسعى نحو الحرب ومنهم من يسعى نحو السلام والبعض يَبُثُّ أخباراً بما يتناسب ومصالح البعض، والحقيقة تبقى مستترة يَصعُبُ إدراكَها، إذ امتزجت مبادئ الوطنيّة الحقّة كالوفاء والإخلاص للأرض بالتوجهات الدينية المتعددة، وكانت هذه وسيلة استهدفت الوطن العربي على حد سواء؛ للعمل على زعزعة الأمن الذي كان ينعم به ونشر الطائفية وتنمية الأفكار السلبيّة السوداويّة فيه، والعمل على تغيير مرتكزات الفرد العربيّ من خلال أبسط الوسائل وأكثرها فاعلية مثل الألعاب الإلكترونية التي يتمحور معظمها على فكرة العنف والقتل والنهب والتجسس، فتلعب بأذهان الصغار والكبار وتجعل من عادات الناس ومعتقداتهم وتوجهاتهم الجديدة السلبيّة أموراً اعتياديَة، فتتوارث مع الأجيال اللاحقة حتى تصبح أموراً فطريّة ينضج عليها الطفل منذ ولادته ويكبر عليها ويتعايش معها في حياةٍ مشحونةٍ عصيبةٍ كالتي نعيشها اليوم وربما أكثر سوءاً لو استمر الوضع على هذا الحال.
فاليوم حتى أصحاب النفوس العاشقة للسلام والمُفعَمَة بالإيجابية والجمال، نجد أفكارهم مُلطّخة بالسلبيّة، فنرى أن الرسام أبدع في تصوير المناظر الموجعة والملاحم بدلاً من لوحات الطبيعة الخلّابة التي تنبثق عن نفس متصالحةٍ تشعر بالأمن الداخلي، ونسمع الموسيقِيّ يُدندن كلمات تتغلغلها الأوجاع ويَدُقُّ وتراً يرجع صداه مُحمّلاً بالآلآم والأحزان، فكان التفكير الإيجابي نُواة العقل حتّى تَلَبَّسه الضباب وأغشاه عن الصواب وَ تاهَ في طريق الهلاك، والرجوع إلى الصواب يكون أولاً من قوّة داخليّة تدفعنا للتمسك بمبادئ عيش الحياة الحُرَّة الطليقة، وخير المبادئ ما وُجِدَ في الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء منهجاً لعيش حياة كريمة.