يوميات سالم
الجزء الثالث ح23
أكرم الزعبي
– الله يرحمك يا محمود، أشهد بالله إنّك كنت زلمه غانم (يقول سالم لصديقه أحمد، في المقبرة أثناء الدفن).
– الله يرحمه، بس لا تنسى إنّه كان تاجر عرص، غشّاش ونصّاب.
– اتّقي الله يا احمد، الزلمة صار بدار الحق، والميّت ما بتجوز عليه إلّا الرحمة.
– أنا شو حكيت، من متى بتزعل من كلمة الحق يا سالم؟؟
– ما بزعل، بس المثل بقول “اذكروا محاسن موتاكم”.
– شوف، ربّنا الله نفسه طيبة، وعمره ما قصّر مع حدا، لكن مشكلته كان يُغش وينصب ع الرايح والجاي، آخر مرّة اشتريت من عنده طقم حمّام حكالي إيطالي اصلي، بعد اسبوع خِرِب، طلع صيني درجة ثالثة، ولمّا راجعته فَجَر علي ورماها بظهر اللي ركّبه.
– غريب!! أنا اشتريت من عنده بطارية مغسلة من شهر وما شاء الله عليها مثل الساعة، صحيح غالية شوي، لكن ريَّحَتني، بعدين يا زلمه على فرقية عشرة خمسطعشر ليرة عاملها قِصّة؟؟
– القصة قصة مبدأ مش قصة مصاري.
– ضحّكتني، انت ما بهمّك إلا المصاري، بعرفك.
– وطّي صوتك، شوف شوف كيف الشيخ سليمان بتطلّع علينا، مش عاجبه الأخ.
– الله يهدينا ويهديه (قال سالم).
– بس نروح ع الديوان رح اتغدّى واظل مروّح مباشرة.
– ليش يا رجل، عيب هيك.
– لا مش عيب، بعد الغدا رح يمسكنا الشيخ سليمان ساعتين، وهات يا مواعظ وخذ يا نصايح، يا زلمه حفظناهن قَد ما بعيدهن كل جنازة، بحسّسك إنه الميّت واحد من الصحابة.
يضحك سالم ضحكة خفيفة يحاول كتمانها ويقول :
– يقطع شرّك، يا زلمه احنا بالمقبرة، بلاش تفضحنا، والله صابون نابلس ما غسّلني إذا اخوة محمود شافوني بضحك.
يسود الصمت حوالي دقيقة، ثم يعود احمد للحديث :
– شايف مين بِهِيل عليه التراب؟
– شايف.
– لا وبحكيلك (آجروا شباب)، عليم الله بدّه يخلص منّه وما بِدوّر على أجر، هاذ أكثر واحد كان مشاكل هو واياه، وهيّاته أول واحد بردمه بالتراب، فرصة يفش غلّه (يقول أحمد وهو يضحك).
– ولك روق، إحنا بالمقبرة، مش وقته (يقول سالم).
– يا زلمة مش قادر أسكت، يلعن عرض النفاق، مش هيييك، قبل يومين كان بدّه يشتكي عليه، وكان يقول عنه نصّاب غشاش.
– الموت ما فيه شماتة، الصحيح لازم نتّعظ ونتعلّم، بلحظة بتكون مالي الدنيا ويا أرض اتهدّي، وبلحظة بتترك كلشي وراك وبتمشي من دون ما توخذ معك إشي، بتفطر الصبح ابّيتك، والظهر قبل الغدا بتصير تحت التراب، ول عليها من دنيا ما عليها احسافه.
– الله عليك شيخ سالم.
– يا رجل الموت بخوّف، انت متخيّل شو يعني موت؟ متخيّل الناس تشيلك وانت اللي كنت تشيل الناس؟؟ متخيّل كيف اللي وراك رح يتقاسموا كل اللي كنت تحارب الدنيا مشانه؟؟ حتى ملابسك رح يوزعوها بحِجّة الصدقة وهم بالأساس بدهم يخلصوا من أي إشي بذكّرهم فيك، بتكون مفكّر الدنيا رح تخرب وراك، لكن لمّا تشوف اللي بصير مع اللي سبقك ع الموت بتكتشف إنه كلشي ماشي، ويمكن يمشي أحسن حتّى.
– انت مُصر تسد نفسي عن الأكل سلّوم، يا زلمه اهدا مشان ربّك، بدنا نتغدّى مناسف ئيه.
– كلشي ولا تنسد نفسك (يقول سالم مع ابتسامة خفيفة، ويضيف) يلّا يلّا هياتهم كمّلوا دفن، خلّينا نعزّي ونطلع.
…………………..
بعد اسبوع
…………………..
– بطارية المغسلة مش أصلية، بقديش اشتريتها؟؟ (يقول المواسرجي لسالم).
– والله بخمس ليرات، من عند محمود اللي مات قبل اسبوع.
– الله يِصلحك، والله ما بتسوى ليرة ونص، على كل حال الله يرحمه.
– الله لا يرحمه، جعل ربنا يحرقه بجهنم حرق، أنا طول عمري عارفه نصّاب وغشّاش بس خلص انعميت على اقماري واشتريت منّه.
– كلهن ثلثليرات مش مستاهلات، الميّت ما بتجوز عليه إلا الرحمة عم سالم.
– القصة قصة مبدأ مش قصة مصاري، هاي الاشكال ما بصير نترحم عليها، الحمدلله اللي أخذه وريّحنا منّه، الله يحرق روحه وما يسامحه دنيا وآخره.
#بعدين_مع_سالم