يوميات سالم
ج ٣ – ح ١٣
أكرم الزعبي
ـــــــــ ـــــــــ
يقضي سالم وقت انتظار خطيب الجمعة ليصعد المنبر بالتسبيح والاستغفار، أربعون عامًا لم تفته صلاة الجمعة في الصف الأول منذ أن كان شابًا أمردًا، وحتى هذه اللحظة التي أصبح فيها طول لحيته يتجاوز الثلاثين سنتيمترًا.
اللحية ساعدته كثيرًا في حياته، كانت جواز مرور يُسهّل عليه قضاء كل حوائجه.
سالم لم يكن يمانع حين يناديه الناس بالشيخ، فقد كان اللقب مضافًا إلى جواز مروره حتى ليكاد أن يصبغه بالصبغة الدبلوماسية.
تأخر خطيب الجمعة، بدأ المصلون بالتململ، قال أحدهم لننتظر الخطيب خمس دقائق، وافق المصلون على ذلك.
مضت الدقائق الخمس، بدأ الحديث عن غياب الخطيب بين المصلين يأخذ شكل القلق والحيرة، سالم قطع عليهم الحديث بأن يقوم أي واحد منهم بالخطبة، أجمعوا على أن يخطب هو فيهم.
بدأ سالم بالصعود إلى درجات المنبر وهو يشعر بالحيرة والارتباك، كيف يخطب فيهم وهو التاجر وصاحب المصنع والشركة، هو لا يعرف إلا لغة الأرقام والحسابات، لكن التحدّي كبير وعليه أن يكون على قدر المسؤولية.
مقدمة الخطبة ونهايتها يحفظها غيبًا لكثرة ما سمعها، بقي عليه أن يملأ الوسط بموضوعٍ محدد، لم يخطر في باله في تلك اللحظة إلا الحديث عن الأمانة بعد أن اكتشف أنّ المحاسب الذي يعمل عنده يسرقه.
يصل سالم إلى أعلى المنبر، يتوجه إلى المصلين ويبدأ خطبته (إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا………….)
ينتبه إلى أنّ العيون مشدودةٌ إليه، يعجبه ذلك، يشعر بشيءٍ الفرح في نفسه، هو يعلم تمامًا أنّهم سيستمعون إليه باهتمام، لقد ملّوا الخطب المتكررة التي يلقيها الخطيب وكأنها من المحفوظات المدرسية، هو بالنسبة لهم صوتٌ جديد مختلف، أعطوه كامل انتباههم.
يسترسل سالم في الخطبة، تأتيه الكلمات من حيث لا يدري، يتحدث عن الأمانة والمؤتمنين ويستشهد بالآيات والأحاديث، يقسو على خائني الأمانة ويتحدث عن مصيرهم في جهنم يساعده في ذلك صوته الجهوري الذي بدأ يتحشرج، ينسى نفسه وتمتلئ عيونه بالدموع.
ينظر إلى المصلين، بعضهم مطرقٌ رأسه، بعضهم تمتلئ عيونه بالدموع أيضًا، وكثيرٌ منهم يُسمع صوت بكائه.
تنتهي الخطبة التي أبكت المصلين وحرّكت مشاعر الرجال، ينزل سالم من المنبر ويؤم المصلين الذين يعودون للبكاء مرةً أخرى بسبب صوته الرخيم في القراءة.
على أبواب المسجد بعد الصلاة يجتمعون حوله ليشكروه ويهنؤه، بعضهم طلب منه أن يصبح رسميًا خطيب كل جمعة. يتنصّل منهم ويبتعد بسرعة لأنّ كبير موظفيه يهاتفه :
– شيخ سالم الـ (…….) مفقودة من السوق وعليها طلب كبير وما ظل حد عنده منها إلا إحنا، نبيعها؟؟
– آه يا حبيبي، هاي بدها سؤال.
– على بركة الله.
– استنى، استنى، كم سعرها بالسوق؟؟
– العبوة خمسة كيلو بخمس دنانير سيدنا.
تمر عشرة ثواني يفكر؛ سالم فيها وهو يمسح على لحيته، ثم يقول :
– مشان نوفر المادة لكل الناس بتشيلوا كيلو من كل عبوة، وكل أربعة كيلو بتوفروهن بتحطوهن بعبوة جديدة.
– يعني نبيع العبوة الأربعة كيلو بأربع دنانير شيخ؟؟
– لأ يا حمار، بتبيعها بخمسة.
#بعدين_مع_سالم
يوميات سالم ح 13 /أكرم الزعبي
37