وذيف و فديم
رائد عبدالرحمن حجازي
كنت جالساً مع العم أبو سلطان في دُكدانه المتواضع نتبادل أطراف الحديث ونستذكر بعض الذكريات كونه كان يكبرني بثلاثة عقود تقريباً ، إلا أنني أحب مجالستة وأحاديثه التي لا تخلو من الفكاهة والظرافة . وبينما كُنا كذلك دخل زبونٌ ذو هندامٍ أنيقٍ ووجهٍ عبوس . طرح السلام بتعجرف وتوجه لأطباق البيض الموجودة في أحد أركان الدكان ، وراح يستبعد البيض الصغير ويضعه في طبق أخر ليستبدله ببيض كبير ، وبعد أن أنهى عملية الفرز أصبح لديه طبق جميع البيض فيه من الحجم الكبير .
مع أنني كنت أراقب ما يحدث حالي كحال أبو سلطان، إلا أن المشهد استفزني وكنت سأدلو بدلوي لولا نظرة من العم أبو سلطان وقد عضّ على شِفَتهُ السُفلى مع رفع حاجبيه للأعلى بالتزامن مع وكزة خفيفة بقدمه لقدمي . فعرفت أنه لا يريدني أن أتكلم أو حتى أتدخل ، فالتزمت الصمت وتابعت تكملة المشهد .
الزبون بعدما أنهى عملية الفرز حمل طبق البيض ووضعه على الطاولة الخشبية التي كان يجلس خلفها أبو سلطان وقال بجلافة : قديش بدك حقه ؟ فرد عليه أبو سلطان بكل هدوء وقال : دينار ونص يا أستاذ . أخرج الزبون المبلغ ورمى به على الطاولة وحمل طبق البيض وغادر دون أن يتفوه بأي كلمة .
أما أنا فقد دُهشت من ردة فعل العم أبو سلطان وقلت له : شو هالزبون الناشف هاظ ! ضحك أبو سلطان ضحكة تخفي خلفها قهراً وقال لي : هاظ يا صاحبي دايماً هيتش ووجه ما بظحك للرغيف السُخن . فقلت له : طيب لويش متحمل قلعطته ، وبالناقص عن هالنمرة . تبسم أبو سلطان وقال لي : مهو موظف كبير بالدولة وإذا ما جاريته بُنبُش لي مشكلة من تحت الأرظ ، هاظ بعيد عنك وذيف و فديم .
أبو سلطان اختصر على نفسه واختصر عليّ عناء الوصف لهذا الشخص بهاتين الكلمتين (وذيف ، فديم).
ملاحظة : لغوياً معنى الوذيف هو الشخص المتعجرف والمختال بنفسه ، أما الفديم فهو الغبي والذي قد يقدم على عمل أي حماقة قولاً أو فعلاً .
وأما معناهما اصطلاحاً فهو صاحب اللسان الوسخ والطويل
فما بالكم إن اجتمعت هاتين الصفتين معاً في نفس الشخص ؟