التعريفة
رائد عبدالرحمن حجازي
هذا ما اخترته لكم من كتابي شذرات من التراث بعنوان (التعريفة)
اجتمع الصبية في ساحة البيدر صباح ثاني أيام العيد وقد اكتسى كل منهم بكسوة العيد وهي عبارة عن قمباز مقلم بالأبيض والأسود مع زنار من القماش وحطة رأس بيضاء أو طاقية وكل واحد منهم ينتعل جزمة حمراء ماركة عصفوركو , بالإضافة لبضعة قروش مع كل واحد منهم , طبعاً مظاهر العيد وفعالياته كثيرة منها العاب التسلية وبائعوا السوس والكعك وقدوم الدواج الذي كان يتنقل بين القرى مع حماره المزركش عارضاً بضاعته لمختلف الاعمار وخصوصاً النساء والبنات , ولكن الحدث الأهم هو عمر السرور والذي يٌسميه أهل القرية ( أبو العجايب). الذي أعد برنامجه السنوي كالمعتاد بحيث يكون دور هذه القرية ثاني أيام العيد .
ها هو أبو العجايب يُطل وعلى ظهره صندوقه الخشبي ذو الفتحات الثلاث وعلى يده كرسي من الخشب , وهو يغني ويقول ” يا سلام وياسلام تع اتفرج ياسلام ”
نصب أبو العجايب صندوقه ووضع كرسي الخشب امام الصندوق , وبدأ الصبية يتزاحمون مع بعض الكبار لمشاهدة العرض …… للعلم أبو العجايب كان يجهز كل سنة عرض اسطوري واحد وهو عبارة عن عدة صور تدار باليد وتحكي قصة شعبية او تاريخية ويكون العرض سريعاً او بطيئاً حسب حركة يد أبو العجايب .
أول الواصلين محسن وأصدقائه , وهنا يوجه أبو العجايب التحذير الآتي : ترى اسمعوا تا احتشيلكوا … الفرجة بتعريفة واللي ما معهوش ابلزمهوش , لا تخلوني اطلع من ثوبي تراها مقبعة معاي .
هنا تدارك محسن الأمر وقال لأبو العجايب : لا تشدش عباطك عمو أني بدي ادفعلك عن كل اصحابي .
بعد الإنتهاء من العرض تجمع محسن واصدقائه أمام دكانة عبدالله ( الإقطم ) وهم يتشاورون فيما سيتم شرائه من الدكانة… فها هو مرعي (البُعط) يقول : اني بدي اشتري بتعريفة قظامة … وزعرور (الكُرزم) يقول: واني بشتري بتعريفة مخشرم … أما أنور(الأهتر) يقول: اني بدي اتتري بدلت ناتد وحلاوة منفوتة عني وعن محتن .(اني بدي اشتري بقرش ناشد وحلاوة منفوشة عني وعن محسن).
وهكذا حتى جمعوا كمية لا بأس بها من السكاكر والموالح واتخذوا مكانهم المعتاد على ارض البيدر وتشاركوا في اكلها والإستمتاع بها .
صحيح أن ابو العجايب كان فظاً غليظ القلب في تعامله مع الصبية ,إلا أنهم وبإدارتهم البسيطة وتشاركهم بما يملكون من قليل المال استطاعوا أن يجعلوا عيدهم سعيداً.
للأسف هذه الأيام مع أننا نحاول أن نحذوا حذو محسن ورفاقه إلا أن أبو العجايب يقف لنا بالمرصاد وخصوصاً عندما يحسب الأمور بالتعريفة.