يوميات سالم 25 / أكرم الزعبي

يوميات سالم
الحلقة 25
أكرم الزعبي

(يا زلمه الذبان والناموس أكَلْنَا من ورا العشب اليابس اللي حوالين الدار، جيب عامل ينظّفه، بس أوعى تحرقه زي العام الماضي، جيب شاحنة وانقلهن فيها لمكب النفايات) تقول زوجته، (اليوم بشوف واحد، بلكي يوم السبت نظّف المنطقة كلها)، يقول سالم.

بيت سالم يُطِل على قطعة أرض غير مزروعة إلا من بعض الأشجار الحرجية، مساحتها حوالي الدونم، وعلى جنباتها عدّة بيوت، وفي كل عام يقوم سالم بحرق الأعشاب اليابسة فيها غير آبهٍ بالدخان الذي يملأ بيته وبيوت الجيران، ولا بشكوى زوجته أو الجيران من هذا الدخان.

هذا العام، ولأنّ كمية الأمطار كانت كبيرة، فقد نمت الأعشاب بكثرة حتى وصل ارتفاع بعضها إلى ما يتجاوز المترين وأكثر، ولأجل ذلك حذّرته زوجته من حرقها.

في يوم السبت صباحاً أحضر سالم العامل وطلب منه اقتلاع الأعشاب وتجميعها على شكل أكوام بعيدة عن بعضها لحين عودته بعد العصر.

عاد سالم بعد العصر، فوجد العامل قد قام بعمله على أكمل وجه، (متى رح تيجي الشاحنة مشان نحمّلها) قال العامل، وقبل أن يُجيبه سالم نظر إلى الأرض وإلى أكوام الغشب، ثم قال في نفسه (يا زلمه اكوام العشب بعيدة عن بعضها، وبدل ما تدفع خمسطعش عشرين دينار للسيارة وتحميل وتنزيل، كل راس مالها طَقّة قداحة وبتوفر المصريات، ما انت متخوزق وع الحديدة، وكل اللي بجيبتك خمسين دينار).

(شو؟؟) قال العامل، (انسى) قال سالم ثم اقترب من أول كوم واشعل فيه النار.

بدأت ألسنة اللهب ترتفع وتأكل كوم العشب اليابس وسالم يبتسم ويقول في نفسه (والله انّك بتفهم يا سالم)، وفي وسط فرحته حدث ما لم يكن في الحسبان.

الشرار المتطاير وبقايا الأعشاب اليابسة التي بقيت على الأرض نقلت النار إلى كل الاكوام فاشتعلت ووصل ارتفاعها إلى أكثر من أربعة أمتار.

زجاج بيت سالم يكاد يتكسّر من شدّة الحرارة، عدا عن الدخان الذي ملأ بيته وبيوت الجيران، الجميع يركض ويحمل الماء لاطفاء النار ولا فائدة، أحد الجيران يتصل بالدفاع المدني الذي يحضر ومعه سيارة شرطة في أقل من ثمانية دقائق، وخلال أربعة دقائق من وصولهم كانت النار قد خمدت تماماً.

(مين سالم؟؟) يقول أحد أفراد الشرطة، (أنا سيدي)، (هويتك لو سمحت) يقول الشرطي، فيجيبه سالم (تفضل، بس ليش بدّك هويتي؟؟)، (كل اللي عملته وبتسأل؟ بكرا الصبح بتيجي مشان انحولَك للمحكمة) يقول الشرطي، فيجيبه سالم بعصبيه (ليش المحكمة سيدي، ارضي وانا حر فيها)، (الجيران اشتكو وبتعرف شو عقوبتك لو وصلت النار لبيوتهم؟؟ كنت رح توكل ع الأقل ٣ سنوات سجن) قال الشرطي، فتنهّد سالم وقال (الحمدلله الله ستر وما وصلت بيوتهم).

(صحيح، لكن نارك أشجار حرجية وهاي كمان جريمة بعاقب عليها القانون، و عقوبتها من ميّة لخمسمية دينار) يقول الشرطي، فيصرخ سالم (الله أكبر، والله كل اللي معي من هالدنيا خمسين دينار).

يضحك الشرطي ويقول (نصيحة لوجه الله تعالى، بكرا قدّام القاضي لمّا يسألك مذنب أو غير مذنب قول مذنب مشان يحكمك مية دينار الحد الأدنى، ترى إذا قلت غير مذنب بصفقك خمسمية الحد الأعلى)، (أمرك سيدي، وشكراً ع النصيحة).

يقف سالم صباح اليوم التالي أمام القاضي الذي يفتح ملف القضية ويسأله (سيد سالم، انت متهم بحرق أشجار حرجية أمام بيتك، مذنب ولّا غير مذنب؟؟)

(غير مذنب سيدي) يقول سالم، فيرفع القاضي نظره عن ملف الدعوى متفاجئاً، ويقول (كيف يعني؟؟) فيجيب سالم (سيدي أنا جبت عامل يقلع الأعشاب اليابسة وطلبت منّه يجمّعهن أكوام مشان انقلهن بشاحنة ع مكب النفايات)، (طيّب، وبعدين؟؟) يقول القاضي، فيكمل سالم (وفعلاً سيدي عمل مثل ما طلبت منه) يقاطعه القاضي (يا رجل هات من الآخر)، فيقول سالم (سيدي وكنت مولّع سيجارة، وفجأة شفت عقربة تحت إجري، ومن الخوف رميت السيجاره وهربت، ويبدو إنه السيجارة هي اللي عملت الحريق).

(ايوااااا) يقول القاضي ثم يكمل (ماشي يا سالم، بس شو دليلك مشان اصدقك؟؟) (العامل اللي قلع العشب شاهد معي سيدي، وهيّاته برّات القاعة).

#وبعدين_مع_سالم