سقطة الوزير / ماهر ابو طير

سقطة الوزير

ماهر ابو طير

یتورط وزیر الخارجیة الأمیركیة، ومعھ وزیر الخارجیة الإیرانیة، في لغة لیست على صلة أصلا بالسیاسة، ولا حتى بالواقع، واذا كان وزیر الخارجیة الأمیركي، ینزلق نحو الغیبیات الدینیة، فإن رد وزیر الخارجیة الإیراني، اكثر سوءا، ویتسم بالنفاق أیضا.

بدأت القصة، حین قال وزیر الخارجیة الأمیركي، انھ یعتقد ان الله ارسل الرئیس الأمیركي من اجل انقاذ إسرائیل من ایران، والتصریحات اثارت ردود فعل عدیدة، لأنھا تثبت أن الإدارة الأمیركیة تدیر سیاساتھا، بشكل یقترب من النبوءات الدینیة، وإشارات آخر الزمان، بما یفسر وقوف ھذه المدرسة إلى جانب الإسرائیلیین، فوق القداسة الزائفة التي یمنحھا الوزیر للرئیس، وھي ذات القداسة التي حاول الرئیس الأمیركي السابق، جورج بوش الابن حین صرح ذات مرة أن الله یتحدث الیھ مباشرة، ویكلفھ بمھمات مختلفة.

إلى ھنا، یبدو الامر عادیا، أو مفھوما في بلد مثل الولایات المتحدة، لكن رد وزیر الخارجیة الإیراني، كان اكثر سوءا، ویحمل فعلیا، رسائل نفاق وتملق ترضیة لإسرائیل، من جھة، بل وتخلیا عن سمات المشروع الدیني الإسلامي، الذي تتغطى بھ طھران.

ماذا قال وزیر الخارجیة الإیراني في رده، على نظیره الأمیركي؟ قال:إنھم حرفوا حتى التوراة لخدمة إیران فوبیا، كره إیران، لكن حقیقة ما تقولھ التوراة ھو كالتالي، أنقذ ملك الفرس الیھود من الاستعباد في بابل، أنقذ ملوك فارس الآخرون الیھود من الإبادة الجماعیة، جرى تشجیع مخططي الإبادة الجماعیة (للیھود) من قبل أھالي النقب ولیس فارس، ملك الفرس ھو الأجنبي الوحید الذي أطلق علیھ اسم ”المسیح“. ؟!

حین یستدعي وزیر الخارجیة الإیراني فقرات في التوراة، على صلة بإیران الفارسیة، فھو أیضا، یعزز القومیة الفارسیة، ودورھا التاریخي تجاه الیھود، ھذا فوق أن ھذا الاستدعاء، جاء في سیاق تاریخي نراه الیوم، یختلف تماما، عن محددات تلك الفترة، خصوصا، أن الإیرانیین یقدمون انفسھم كمسلمین أولا، وباعتبارھم یؤسسون لمعسكر مقاومة إسلامي واقلیمي في المنطقة، ضد المشروع الإسرائیلي، كما یبدو واضحا، أن الوزیر الإیراني، یرید نفي التھمة التي وجھھا الوزیر الأمیركي لإیران، أي تھدید إسرائیل، وكأنھ یقول عبر الاستدعاء الدیني أن التاریخ لم یشھد تھدیدا من الفرس للیھود، ولن یشھد أیضا تھدیدا من الإیرانیین لإسرائیل، خصوصا، في ھذا التوقیت الصعب الذي تعبره ایران.

ھذا الكلام، لیس تحاملا على الوزیر الإیراني، لكن تغریداتھ كانت غیر موفقة، من جھة، وھي أیضا، مجرد محاولة لتذكیر الإسرائیلیین بالتاریخ، وان ما بین الطرفین ، كان سمنا على عسل، فلماذا یراد ان تحدث مواجھة بین الطرفین، لخصھا الوزیر الأمیركي، بتوصیفھ للدور الوظیفي السماوي، للرئیس الأمیركي، الذي جاء لحمایة إسرائیل من ایران.

حین ینزلق وزیرا خارجیة دولتین، مثل الولایات المتحدة، وایران، نحو التاریخ، وتوظیفات الدین، والنبوءات والتوقعات، فإن علیك ان تفكر مطولا، في ھؤلاء الذي یدیرون ھذا العالم، بھذه الذھنیة التي تستحكم في عقول الكثیرین، وتقود العالم نحو الھاویة.

إذا كان ھؤلاء یعملون بھذه الطریقة، فلماذا نلوم الافراد والجماعات، التي تستند الى عناوین كثیرة، تستقي معناھا من ھذه الذھنیة المتوارثة، ایضا، والتي رأیناھا في حالة وزیرین اثنین، احدھما ینطق باسم الله، وكأنھ یتلقى الوحي، والثاني، لا یجد سوى التاریخ والنص الدیني في التوراة، لإثبات حسن النوایا، وان الإیرانیین كانوا حماة الیھود.

في الحالة الإسلامیة، ولیس القومیة الفارسیة، حمى المسلمون في الاندلس الیھود، من الاضطھاد، لكن الوزیر الإیراني، لم یقف عند ھذه الحالة، بل ذھب الى التوراة، بحثا، عن نص دیني- تاریخي، یرتبط بالفرس، ھذا فوق ان العرب والمسلمین الیوم، حین یستدعون قصص حمایة المسلمین للیھود في الاندلس، فإنھم یستدعونھا في سیاقات المقارنة بین تلك الحالة، والمذابح التي ترتكبھا إسرائیل، ولیس في سیاقات طلب العطف الضمني.

قد یأتیك البعض لیقول ان ھذه حنكة من الوزیر الإیراني، لإحراج الوزیر الأمیركي، لكنھا في حقیقة الحال، مجرد سقطة، خصوصا، أن المشروع الإیراني الحالي، یتم تسویقھ بطریقة لا صلة لھا بالفرس، من جھة، فوق أن طھران تقدم ذاتھا باعتبارھا المناوئة لوجود إسرائیل.