شعرة معاوية المقطوعة / يوسف غيشان

شعرة معاوية المقطوعة

يوسف غيشان

أتعرض أحيانا الى نقد جارج من قرّاء يعتقدون أن ما أكتبه من نقد حول تاريخنا العربي ناتج عن حقد وربما تآمر، بالمناسبة أنا أعرابي إبن أعرابي ، وأحمل جميع أخطاء وميزات الأعرابي، ويدعي قريبي روكس العزيزي بأن أجدادي وأجداده من الغساسنة..
في الواقع – وفي مجال النقد- أنا انطلق من جوهر فعل الكتابة الساخرة ، وهو نقد الذات وتعريتها أمام نفسها أولا ، لعلها تدرك خطورة مراكمة الأخطاء ، لعلها تفكر في تصحيح مسارها . ولن ادافع عن نفسي اكثر من هذا ، ونرجع لموضوعنا في تشريح الذات:
الرجل لم (يقّصر ) معها فقد أسكنها قصرا هو أكبر قصور الإمبراطورية، وأحاطها بالجواري والخصيان ، دندشها بالذهب والفضة والجواهر المستلبة من خزائن ملوك ذلك الزمن . لكنها أنكرت هذه النعمة العارمة وظلت (قالبة بوزها) وهي تنشد بكل حزن:

لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلى من قصر منيف

….إلى آخر القصيدة التي تفضل فيها لباس الخيش على حرير القصر ونباح كلب البادية على ضرب الدفوف ورقص الجواري والغلمان.
أما الرجل فهو معاوية بن أبى سفيان الخليفة الأموي الأول ومؤسس الإمبراطورية العربية الكبرى ، أما المرأة فهي ميسون بنت بحدل الكلبية زوجته ،وبنت وزيره الأول .
هنا ندرك سر الشعرة غير المقطوعة عند معاوية ، لا شك في انه تعلم تلك الحكم من تجربته مع أم الميس، التي إضطر الى تطليقها) بعد انتشار هذه القصيدة وأعادها الى خيام بني كلب، لكن ذلك لم يمنعه من فرض ابنها يزيد خليفة بعده، بالمال والسيف، فكانت أول عملية توريث في الحكم العربي الإسلامي.

القصة للأسف تعبر عن نمط تفكير أعرابي – عربي ، وقد تنبه للموضوع أحد المستشارين النابهين لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ، ووضع أسلوب الخيمة والقصر في التعامل مع الزعماء العرب . ليس مجالنا هنا الخوض في تفاصيل الدبلوماسية الأميركية، لكنه أسلوب نجح تماما بل اكثر مما توقع أصحابه … إذ تم التعامل مع الزعماء العرب على طريقة شيخ القبيلة الذي إذا أرضيته رضيت عنك القبيلة بأكملها وأخذت ما تشاء منها بكل طيبة خاطر ، وهذا يشمل العرض والأرض والمال والعيال ورأس المال ودكّة السروال .

الحنين إلى الخيمة دفع العربي الأعرابي إلى التآمر على إمبراطوريته فور نشوئها ، لذلك حاول استبعاد كل مكونات المدنية والحضارة خصوصا تلك المكونات التي قد تلغي إمكانية تحول الدولة إلى مجموعات من البدو الرحل على الأبل ،لذلك تم استبعاد استخدام العجلة مع أن المركبات التي تجرها الدواب كانت معروفة من قبل حرب طروادة قبل نشأة الإمبراطورية اليونانية بقرون . كما انهم لم يقيموا السدود ولا الإنشاءات الكبرى ولا المسارح والملاعب والعمارات العظيمة … واعتبروا أنفسهم بدوا رحلا لا يربطهم رابط بالأرض عدا تجميع الجزية وتبذير أموال الرعية على الملذات . مؤامرة الأعرابي على نفسه ظلت مستمرة حتى الآن ، لكن الإسلام والعروبة كانا يرقّعان ما يفسده الأعرابي حتى أضناهما الأمر .
أعتقد إننا، إذا بقينا على هالرشّة، في طريق العودة إلى الخيمة .. خلال أقل من ربع قرن …. حيث نفرح بجعير الناقه ونباح الكلب الأجرب ونتحول إلى محمية طبيعية لإنسان ما قبل التاريخ والجغرافيا.
ghishan@gmail.com