ماذا تقول في التسحيج ؟ / رائد عبدالرحمن حجازي
ماذا تقول في التسحيج ؟
رائد عبدالرحمن حجازي
مر أعرابي بمجموعة اشخاص كانوا ينهلوا من معلمهم بعض الحِكم , فأعجبه حديثهم واستأذن للجلوس معهم . أُذن له وشاركهم بمجلسهم . وبعدما أنهى الحكيم مواعظه قال من منكم له سؤال ؟ فقال الأعرابي : أنا . رد الحكيم باستهجان وقال له : هات ما عندك . قال الأعرابي : ماذا تقول في التسحيج ؟
هز الحكيم رأسه وقال : يا بُني التسحيج عمود الساسة والسياسة , وهو بعيد كل البعد عن الكياسة , وعليك به كلما دعتك إليه الحاجة , وسحّج قبل وبعد قضاء الحاجة , فإن فيه فائدة وإفادة , حيث يُلبى طلبك بكل سرور وسعادة , وربما تصبح من أصاحب المناصب والسعادة .
فقال الأعرابي : وماذا أفعل إذا تسحيجي لم يلقى أي حفاوة ؟
رد عليه الحكيم وقال : لا تيأس كرر التسحيج مرة واثنتين وثلاثة , ولا ضير إن رفعت صوتك عن المعتاد بزيادة .
فقال الأعرابي : وإن بقيت في ميدان التسحيج ولا أحد يسمعني وكأني في ورشة للحدادة ؟
رد عليه الحكيم وقال : عندها اعلم بأنك بين أُناس ذوو ألباب وعقول راجحة , فغادرهم لأن بقائك بينهم كالشيطان بين الملائكة .
وللتوضيح أكثر هذا رأي للتميز ما بين الوطنية والتسحيج
كلما حدث أمر ما له علاقة بالوطن , تتهافت الآراء والتصورات من حولنا. فبين مؤيد ومعارض تنحصر هذه الآراء وربما الصمت أحياناً يكون ثالثهما . وعليه يشرع البعض بكيل الإتهامات للأخريين ,ففلان ينعت ذاك بأنه سحيّج ويصف نفسه بالوطني , ناهيكم عما يرافق ذلك من تراشق بالشتائم وغيرها .
أنا من خلال اجتهادي وتصوري الشخصي أحببت أن أوضح الفرق بين الوطنية والتسحيج مع العذر منكم من هذا المصطلح , كما وأترك لكم حرية قبول هذا التصور من رفضه .
الوطنية : أن يشير المواطن لمواقع الخلل والضعف إن وجدت وبنفس الوقت إعطاء الحلول الناجعة والسليمة . لأن الإشارة فقط دون الحلول أعتبره تماماً كتشخيص الطبيب العام للمرض دونما إعطاء العلاج المناسب , فيقترح على المريض مراجعة طبيب اختصاص بالحالة المرضية .وعليه فكلا الطبيبين يكونا ضمن قائمة الأطباء , وكذلك الحال مع المواطن الذي يشير للخلل ويقدم الحل والمواطن الذي يكتفي بالإشارة لهذا الخلل فكلاهما يكونا ضمن قائمة الوطنية .
اما التسحيج والعياذ بالله (اسمحوا لي هنا أن استخدم وصف شخص وليس مواطن , كي لا يندرج ضمن قائمة الوطنية وبنفس الوقت لن أقول سحيج , فلربما يصحى يوماً ما من غفلته ويعود لقائمة الوطن ) فالتسحيج : أن يرى الشخص مواقع الخلل والضعف ويؤيد من قام بذلك لا بل ويشرع في تجميل الخلل وإظهاره وكانه حل سحري أوحد ووحيد . ناهيكم عما يرافق ذلك من عبارات ثناء وتزلف الخ … تماماً كمن يدّعي مهنة الطب , والطب منه براء . اللهم أصلح أحوالنا وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .