إعادة تدوير
رائد عبدالرحمن حجازي
دون سابِق إنذار وبسرعة البرق دخل مُحِسن على العُلية حيثُ جِدته زريفة وبعض النسوة , وهو يصيح بأعلى صوتُه : جِدة هاظ زيدان (الافتشح ) اجا وجاب فرامة الشرايط , ثم خرج مُسرعاً .
فوراً نهضت زريفة وإستأذنت منهُن لكي تجمع ما يُناسب من مواد للفرامة , وبادرتها قُطنة بالقول وإحنا يخيِتي خلينا نروح نِجمع إرِثعنا . (الإرِثع وهي بقايا او قطع من القِماش او ملابس بالية او قديمة ) .
في ساحة البيدر اوقفَ زيدان مُحرك التراكتور وترجَل بإتجاه الفرامة (وهي الة توضع فيها قِطع القِماش فتقوم بتقطيعه لقِطع صغيرة , ليُعاد إستخدامُها كحشوة للمخدات او الفرشات ) وقام بسحبِها وشبكها على الدراي شفط الخاص بالتراكتور , ثم تأكد من الأقشطة وشدها بالشكل الصحيح.
بدأ الجميع بالتوافد على ساحة البيدر …. ومعهُم اشكال والوان من المواد الخام …. مثل بقايا شروش الملَس والشنابر , وجوه مخدات او طراحيات او جنابي , سراويل رجالي وستاتي , قمصان , بناطيل , بسط , جاكيتات , معاطف عسكرية ….. الخ .
قبل التشغيل صاحَ زيدان وقال : إسمعوا بتصفوا طابور وكل واحد بوقف جنب غراظه وما بدي اشوف ولا قارووط عند الفرامة , وهو يلوح بيده التي يحمل بها الزرادية , وثم أعلن التسعيرة وهو يقول : الكوم الصغير بنص نيرة والكبير بنيرة وإللي مش عاجبه ينقلع .
وفي الخطوة الأخيرة قبل التشغيل تفقد زيدان الأكوام لكل واحد خوفاً من وجود سحّابّات او ازرة مِعطف او اي قِطع معدنية اُخرى ليقوم بخلعِها بزراديته لكي لا تدخل الى الفرامة وتعطل الشفرات او تكسرها .وبعد التأكد من أن المواد الخام جاهزة ,ادار المحرك وقال لإبنه انور : هي ولك يا انور لقملي الفرامة شوي شوي فاهم . فقال انور بهترته المعروفة : فاهم يابا بلدمها توي توي …. وبعد فترة من العمل ووسط فرح الاولاد توقفت الفرامة عن العمل , التفت زيدان لأنور وقال : ولك شو إللي صخمته يا لعين الحُرسِي؟ فأجاب أنور وهو خائف : ودفت لحالها يابا (وقفت لحالها).
نظر زيدان داخل الفرامة وإذ بسحاب هو ما اوقف شفرات الفرامة . طبعاً نفذ السحّاب من تفتيش الزرادية كون السحّاب لونه اسود من لون شرش الملَس الخاص بزريفة ,التفت زيدان لزريفة وقال والغضب بعينيه : عجبتش هاي الفرامة راحت ما تروح . ما كان من زريفة إلا وردت عليه بِبرودة اعصابها : اجت سليمة يا زلمة … أخرَجَ زيدان السحاب وعادت الفرامة للعمل .
للأسف قد تكون فرامة الشرايط إنقرضت من موروثنا التراثي وإنقرض معها إعادة التدوير , إلا أنه يعيش بين ظَهرانينا فرامات كثيرة ولكنها تلبس أحسن الثياب وتركب السيارات الفارهة ولكن بدون إعادة تدوير (الطايح رايح).