عاد الملك فهل عادت الروح ؟ / عبد الفتاح طوقان

عاد الملك فهل عادت الروح ؟

عبد الفتاح طوقان

على مدى الأسابيع الست الماضية، حيث كان ملك الأردن في الولايات المتحدة، كانت هناك ثورة من حيث من يدمر صورة الملك والأمة من خلال السيطرة على المعرفة والمعلومات المضللة. اما وقد عاد فقد تنفس بعض من الشعب الصعداء و لكن هذا ليس كافيا، المطلوب عودة الروح، فهل عادت الروح لشعب جمعه نفس المشهد ام لا؟

هذا ما سوف تثبته الأيام والأسابيع القادمة مع التغييرات المتوقعة، أن حدثت او اجهضت.

هذا التغير السريع في الساحة الأردنية نتيجة التوقعات والتسريبات الامريكية من جهة والموساد من جهة، قد عرقل الطريقة التي يفكر بها الأردنيون.. مع التوقف مؤقتا للنظر في التكلفة السياسية الناتجة عن ذلك، وهرع الأردن إلى احتضان المنتجات والخدمات في الوسط الاجتماعي المهمش والمتفتت المتقبل للإشاعات في مقابل انفلات في وسائل التواصل الاجتماعي وغياب واضح للإعلام المحلي رغم تواجد فضائيتان (اسما) والإخفاق في التواصل مع الاعلام الخارجي.

ومن كان مسالما، في غياب الحقيقة وتغييب ما يقوم به الملك، تحول الي شخصية شبه عدوانية ساهمت في نقل الرسائل الكاذبة وأعاده تدويرها ظنا منها انها الحقيقة، مما دفعني بكتابة ” اين الملك” والتساؤل عن تغييبه عن الشعب إعلاميا. اقصد قطع التواصل.

لقد شعر الشعب بانه بين يدي مربية غريبة عنه، حيث غاب عنه ابيه في رحلة غامضة يصعب تحديد تفاصيلها، وصفت في محاضرة بأنها أخطر زيارة على لسان رئيس وزراء اسبق ورئيس مجلس اعيان فأحدثت تلك الكلمات غير المدروسة بعناية دوامة فكرية، ومهدت لفراغ سياسي مهجن، وتكهنات في غير موضعها، وبدا متلاحقا هذا التخوف لدي الشعب، فبدء الشعب بالصراخ والبكاء اين ابي، اين ابي؟، دون أي اهتمام منها او مراعاة للحالة النفسية والمعرفية التي يطلبها النهج السياسي لما يحدث. وبات على المحك ان تواجه الحكومة “ليس أقل من نحن، وماذا سنصبح؟”

بالطبع المستقبل الوحيد الذي يمكننا التأكد منه هو موتنا. لا يمكننا حتى أن نكون متأكدين من كيف، أو حتى لو سوف يتم تذكرنا بعد أن نقوم بتبديل ملفنا البشري. لذا غياب الاعلام المؤثر مع ضحالة مصطلح “أخطر زيارة دون شرح مفصل” ادي الي بعض مما حدث و بات صراع الموت ومشهد الرحيل الذي تحبكه أمريكا يعلق في الاذهان دون معالجة.

اما وقد عاد الملك، فالمهمة الان أصعب، حيث التساؤل الأكبر، ما هو الاتفاق الأردني الأمريكي؟ ما هي نقاط الخلاف؟ ما هي أسس العودة؟،ومن هو العائد(فكريا)؟ ماذا يحمل في جعبته من نهج جديد؟ الي أي مدي ستصل جذرية التغيرات الافقية والرأسية؟، ثم ماذا دار بين الملك ورئيس الوزراء في النصف ساعة قبل لقاء المجلس الوزاري الذي استمر نصف ساعة اخري؟، وغيرها من مفاصل محركات عربة المستقبل.

أن مجمل زيارة الملك لدار رئاسة الوزراء تقريبا كانت في حدود الساعة، بدأت الساعة الثانية ظهرا، التقي فيها رئيس الوزراء منفردا نصف ساعة، ثم اجتمع مع مجلس الوزراء نصف ساعة، تناول خلالها الماء والشاي فقط، لم يتناول الغذاء مع المجلس الوزاري، قام بالسلام على جميع الوزراء، تحدث إليهم مختصرا، ثم استمع الي مقدمة من رئيس الوزراء مقتضبة ثم حديث خمس وزراء هم رجائي المعشر، المالية، الطاقة، تطوير قطاع الاعمال، والاعلام. وبدا مرتاحا وداعما للحكومة وأدائها.

ولعل من اهم ما دار بين الملك ورئيس الوزراء هو طلب الالتزام بتنفيذ ثقافة مبنية على إرضاء الشعب، إنشاء لجان متابعة للحفاظ على هيكل لتحديد الأولويات، وتشخيص حالات المشاكل المعقدة والتدخل لوضع التدابير التصحيحية اللازمة دون الاعتبار لأي شخص مهما بلغت مكانته. وأيضا لتحقيق التوازن بين اثنين من المخاوف التي تواجه الاردن. من ناحية لخلق شرط أن تعزز الوحدة من خلال الإبداع والابتكار والحفاظ على الأردن من الضياع وموقفه من صفقة القرن. ومن ناحية أخرى، الغاء احتكارية العمل السياسي العبثي والانفتاح على جميع مؤسسات الدولة لتبقي البلاد تحت السيطرة الشديدة والمفيدة.

لازال، الشعب منقسما بين فئة عامه أرتات في عودة الملك راحة نفسية مطمئنة وفئة سياسية عليا تري ضبابية الموقف، رغم العودة والظهور الإعلامي، وبحاجة الي مزيد من الصراحة والمكاشفة والإيضاح حول اللقاء الأمريكي الأردني، حول ولاية العهد، حول وضع مليوني فلسطيني على الأرض الأردنية الذي صرح بانه مرفوض، على متطلبات وشروط كوشنر الصهر المدلل، على مستقبل الوضع برمته.

ان الأردن يعيش مرحلة القبول الناعم بفرض الواقع الفلسطيني عليه سالبا حقوق الأردن والعشائر الأردنية، وعليه أن يحذر من الوقت الذي يثبت به الواقع تباعا، رغم ان العشائر الأردنية حافظت علي الأردن منذ ١٩٤٨ و حتي اليوم دون التنازل عنه للطامعين فيه و المفروضين الطارئين عليه، و لم تتخل يوما عن فضيلتها باحتضان “الطنيب”.

اعتقد ان الأمور اعقد من كل ذلك، فالحل ليس اردنيا فقط، بل يجب ان تكون هناك هيئة عربية تتولي مجمل ذلك لا ان يترك الأردن بمفرده في مواجهة مقترحات وشروط الرئيس ترامب وعواصفه الكوشنرية.
aftoukan@hotmail.com