ناتو عربي لمواجهة إيران / د. نبيل العتوم

ناتو عربي لمواجهة إيران

د. نبيل العتوم

الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” يبحث عن تحالف عربي بات يعرف ضمناً ب “الناتو العربي” لمواجهة إيران ومشروعها التخريبي في المنطقة، ووفقًا لما يتمّ تداوله، فإن التحالف سيضمّ ست دول خليجية، وكذلك الأردن ومصر، والهدف من إنشاء هذا التحالف هو التعاون بين هذه الدول في مجال التدريب العسكري والصاروخي، والتعاون لمكافحة الارهاب، ومواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، هناك تحالف بالفعل في المنطقة، وهو التحالف العربي الذي يعمل حاليا في اليمن. ومشغول بالتصدي للحوثيين لغاية كتابة هذه السطور، وبالمناسبة فإن هذا التحالف في اليمن لا يشمل جميع الدول العربية، وفقط الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هي من تقاتل فعلياً.

لقد بدأ الحديث عن ائتلاف “الناتو العربي”، في العام الماضي في قمّة جمعت زعماء الدول الاسلامية في الرياض في بريل 2107 حيث كان “ترامب” مشاركًا، ثم تمّ طرح الفكرة، ويتردد أن المملكة العربية السعودية هي صاحبة المبادرة، حيث قدمت فكرة التحالف الأمني ​​الإقليمي في أثناء الاجتماع مع “دونالد ترامب.

لكن في ذلك الوقت كانت الخطّة أكبر بكثير، حيث حضر (43) من قادة الدول الإسلامية ذلك الاجتماع، وكان تشكيل مثل هذا التحالف أكبر بكثير، وكانت إحدى أبرز مهامه مواجهة التدخل الإيراني في المنطقة، لكن هدفه الرئيس كان محاربة الإرهاب، المتمثّل بداعش والقاعدة وأخواتها الناشطة من خلال الأزمات الإقليمية، لا سيما في سوريا طبعاً، دون التطرق للمليشيات الإرهابية التي جهدت طهران في إنشائها والسهر على دعمها بالمال والسلاح والرجال، والآن نرى أن هذه الخطّة أصبحت أصغر، وهي الآن تشمل دول الخليج والأردن ومصر، ولكن يبدو أنّه إذا تمّ تشكيل مثل هذا التحالف، فإنه سيواجه مجموعة من العقبات، فالأردن مشغول بمشاكله الاقتصادية الكبيرة، التي باتت تهدّد استقراره، دون خطة وطنية أو إقليمية أو دولية لإنقاذه، ومصر لديها مشاكلها هي الأخرى، أما بالنسبة لدول الخليج، فمجلس التعاون الخليجي لم يعد له قيمة، فالأزمة في العلاقات البينية الخليجية ما زالت تراوح مكانها، و هناك محور ضمني بين سلطنة عمان والكويت لا يشاطرون السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا في الموضوع الخليجي، ولا في موضوع قطر، وهو ما تتحدث عنه إيران نفسها، وتتوقّع موت الفكرة قبل ولادتها بالصورة التي ترسمها واشنطن، هذا عدا عن دور تركيا وباكستان، ودور منظومة الدول المغاربية التي تغطّ في سباتها الصيفي.

وإجمالًا لقد حاولت هذه الدول إيجاد صيغة تقارب من أجل ترجمة فكرة “الناتو العربي” إلى حيّز الوجود لكن السؤال المحوري هل حلف الناتو العربي المزمع إنشاؤه يمكن له أن يواجه المشروع الإيراني؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا الانتباه إلى جملة من القضايا منها:

أولاً: دعونا نرى كيف سيتشكل هذا التحالف؟ ومن هي الدول المنخرطة فيه؟ وهل هناك أجندة واضحة؟ وآلية واقعية لمواجهة إيران؟ فإيران المنخرطة في الحريق الإقليمي على امتداد جغرافية الإقليم، تتجهز لإطلاق مخالبها ووكلائها للرد على تضيّيق الخناق حول عنقها من قبل إدارة ترامب.

ثانيًا: ما هو دور إسرائيل الساعية لتوحيد القدس، وانتزاع اعتراف بأن الجولان أرض إسرائيلية، والمندفعة في الاستيطان، وإصدار القوانين العنصرية كيهودية وقومية الدولة الساعية لدفن السلطة الفلسطينية التي باتت أشبه ما تكون بالرجل “المقعد” الذي لم يعد يجد من يناصر قضيته، في ظلّ حالة الفوضى والسيولة الإقليمية، وانشغال العالم بقضايا الارهاب، ومواجهة الانفلات الأميركي للسيطرة على التجارة وموارد الطاقة….

ومن هنا يبرز التساؤل المهم حول مدى تقارب الدول العربية من اسرائيل لمواجهة المشروع الإيراني؟ وما كلفة ذلك عليها؟ وهل سيكون هذا التقارب مع إسرائيل مؤقتاً أم دائماً؟ وخاصة أنه إذا تم تشكيل مثل هذا الناتو فمن الممكن أن تؤيده اليوم إسرائيل؟ وتتغاضى عنه في حال تحقيق أهدافه، حتماً سيبقى لدى إسرائيل الكثير من المخاوف، ويجب أن نرى أي نوع من الضمانات يمكن أن تعطى لإسرائيل بأنّ مثل هذا التحالف لن يعرض إسرائيل للخطر في المستقبل. خصوصاً أن لدينا 300 مليون مسلم عربي لا يزالون يهتمون بقبلتهم الأولى “القدس”، والقضية الفلسطينية ذات أهمية كبيرة لهم، ويمكن أن يشكل هذا التحالف تهديدًا دائماً لإسرائيل، إذا لم تعطي الولايات المتحدة ودول المنطقة الضمانات الكافية لها.

من المؤكد أن إدارة ترامب حاولت اغراء تل ابيب بهذه الفكرة ولا نعرف لأي درجة نجحت في ذلك، وكما نعلم أن صهر الرئيس ترامب “كوشنير”، صاحب المهمة المزدوجة عن الملفين. (ملف السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وملف قضايا الخليج). ويبدو أن تسريب خبر إنشاء هذا التحالف في مثل هذه الظروف كان متعمّد ومتفق عليه ولكن كما أشرت حتماً يوجد هناك ضمانات واضحة لإسرائيل التي كانت حليفة إيران قبل الثورة، وتحاول الآن إعادة نسج هذه العلاقات، وما توجيه نتنياهو برسالة إلى الإيرانيين بأننا قادرون على حل مشاكلكم، والقضاء على مشكلة الجفاف وشح المياه إلا أكبر دليل عن الدور المهم الذي تقدمه طهران لتل أبيب الآن ومستقبلاً.